+ -

صدقة الفطر أو زكاة الفطر هي زكاة الأبدان الواجبة بالفطر من صيام رمضان، وقد جاء بيان فرضيتها في الحديث الّذي أخرجه الإمام مالك والشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما: “أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم– فرض زكاة الفطر من رمضان على النّاس، صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير على كلّ حرّ وعبد ذكر أو أنثى من المسلمين”. ختم الله سبحانه وتعالى آيات فرضية الصّيام بقوله عزّ وجلّ: “وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون” البقرة 186. فهذه اللفتة العجيبة تخاطب أعماق النّفس، وتلامس شغاف القلب، وتسرِّي عن الصّائم ما يجده من مشقّة، بالتلذُّذ بمُناجاته والوعد بإجابة دعائه وتضرّعه.فعندما تنزل الحاجة بالعبد فإنّه ينزلها بأهلها الّذين يقضونها، وحاجات العباد لا تنتهي. يسألون قضاءها المخلوقين، فيجابون تارة ويردّون أخرى. وقد يعجز مَن أنزلت به الحاجة عن قضائها. لكن العباد يغفلون عن سؤال مَن يقضي الحاجات كلّها، بل لا تقضى حاجة دونه ولا يعجزه شيء، غنيّ عنهم وهم مفتقرون إليه، يقول تبارك وتعالى لعباده: “وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ” الحِجر، يخاطب عباده في حديث قدسي فيقول: “يا عبادي لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيتُ كلّ إنسان مسألته ما نقص ذلك ممّا عندي إلاّ كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر” رواه مسلم.وقد جاءت النّصوص الشّرعية مبيّنة عظم شأن الدّعاء وفضله، فالدّعاء هو العبادة، وهو أكرم شيء على الله، ومن أعظم أسباب دفع البلاء قبل نزوله، ورفعه بعد نزوله، كما أنّه سبب لانشراح الصّدر وتفريج الهمّ وزوال الغمّ، وهو مفزع المظلومين وملجأ المستضعفين، وأعجز النّاس مَن عجز عن الدّعاء. بل الدّعاء هو العبادة كما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ذلك لأنّ فيه من ذُلِّ السّؤال وذُلِّ الحاجة والافتقار لله تعالى والتضرّع له، والانكسار بين يديه، ما يظهر حقيقة العبودية لله تعالى، ولذلك كان أكرم شيء على الله تعالى كما قال النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: “ليس شيء أكرم على الله من الدّعاء” رواه الترمذي وحسّنه وابن ماجه.ونعيش هذه الأيّام أفضل اللّيالي، ليالٍ تَعظُم فيها الهبات، وتنزل الرّحمات وتقال العثرات وترفع الدّرجات. فقد جاء عقب آيات الصّيام ذِكرُ الدّعاء “وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ” البقرة186، قال بعض المفسرين: “وفي هذه الآية إيماءٌ إلى أنّ الصّائم مرجو الإجابة، وإلى أنّ شهر رمضان مرجوة دعواته، وإلى مشروعية الدّعاء عند انتهاء كلّ يوم من رمضان)، والله تعالى يغضب إذا لم يُسأَل، قال النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: “مَن لم يَسأل الله يغضب عليه” رواه أحمد والترمذي.ففي هذه اللّيالي المباركة تُقضَى الحوائج، قال سبحانه: “وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ” غافر:60، ومهما سأل العبد فالله يُعطيه أكثر، عن أبي سعيد رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: “ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلاّ أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إمّا أن تعجّل له دعوته، وإمّا أن يدّخرها له في الآخرة، وإمّا أن يصرف عنه من السّوء مثلها. قالوا: إذًا نكثر، قال: “الله أكثر” رواه أحمد.فاحرص أخي الصّائم على الدّعاء في أيّام الدّعاء، وإن كان الدّعاء في كلّ وقت، لكنّه في هذه الأيّام آكِدٌ لشرف الزّمان وكثرة القيام. فاجتهد في هذه الأيّام الفاضلة، فلقد كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يشُدّ فيها مئزره ويُحيي ليله ويوقظ أهله. وكان يقضيها في طاعة الله تعالى، إذ فيها ليلة القدر المباركة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات