+ -

يتفضَّل ربّنا سبحانه على عباده بنفحات الخيرات ومواسم الطّاعات، فيغتنم الصّالحون نفائسها، ويتدارك الأوَّابون أواخرَها، إنّها ليالٍ مباركةٌ أوشكت على الرَّحيل، ليالي شهر كريم، أبواب الجنان فيه مفتَّحة، وأبواب النّار فيه مغلقة، والشّياطين فيه مصفَّدة، العشر الأخيرة منه تاج اللّيالي. كان الحبيب صلّى الله عليه وسلّم إذا دخلت العشر الأواخر أحيا ليله وأيقظ أهله وشدَّ مئزره. تقول أمُّنا عائشة رضي الله عنها: “كان رسول الله يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره، وفي العشر الأواخر منه ما لا يجتهد في غيره”.في العشر الأواخر ليلة هي أمّ اللّيالي، كثيرة البركات، عزيزة السّاعات، القليل من العمل فيها كثير، والكثير منه مضاعف، “ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر”، خَلْقٌ عظيم ينزل من السّماء لشهود تلك اللّيلة: “تنزَّلُ الملائكة والرُّوح فيها بإذن ربّهم من كلّ أمر”، ليلة سلام وبركات على هذه الأمّة.قال العلامة ابن كثير رحمه الله: يكثر نزول الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها، والملائكة ينزلون مع تنزّل البركة والرّحمة كما ينزلون عند تلاوة القرآن، ويحيطون بحِلَق الذِّكر، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدق تعظيمًا له.وفي شهر الصّيام، نزل كتاب ربّنا العظيم، الثّواب على تلاوته جزيل، من قرأه فله بكلّ حرف منه حسنة، يقال لقارئه يوم القيامة: اقْرَأ وَارْقَ، فإنّ منزلتك في الجنّة عند آخر آية كنت ترتّلها، فاجعل لتلاوة كتاب الله على لسانك في العشر الباقية طراوة، ولصوتك منه نداوة، لتظفر بشفيعين في الآخرة: القرآن والصّيام.والصّلاة قُرّة عيون الصّالحين وراحة أفئدة الخاشعين، وأفضل الصّلاة بعد الفريضة صلاة اللّيل. حثّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أصحابه على قيام اللّيل، يقول عن ابن عمر رضي الله عنه: “نِعْمَ الرّجل عبد الله لو كان يُصلّي من اللّيل”، فما ترك القيام بعد ذلك رضي الله عنه، والعبد مذموم على ترك قيام اللّيل، يقول عليه الصّلاة والسّلام لعبد الله بن عمرو بن العاص: “يا عبد الله، لا تكن مثل فلان كان يقوم اللّيل فترك قيام اللّيل”.وكان نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتّى توفّاه الله. فارغب إلى ربّك بالاعتكاف، وداوم على ذِكْر الله فيه، وأكثر من الدعاء في ساعات الإجابة، فتلك لحظات تُغتنَم، يقول القرطبي رحمه الله: [فضيلة الزّمان إنّما تكون بكثرة ما يقع فيه من الفضائل]، وإذا قرب العبد من ربّه لطف الله به، وساق إليه الإحسان من حيث لا يشعر، وعصمه من الشرّ من حيث لا يحتسب، ورفعه إلى أعلى المراتب بأسباب لا تكون من العبد على بال.واعلم أنّ المال وديعة في يدك، ليس لك منه إلاّ ما أكلتَ فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدّقت فأمضيت، فتواضَع بقلبك للمسكين، وابذل له كفّ النّدى، وادْنُ منه، واحن عليه، لا تقهر يتيمًا، ولا تنهر سائلاً، وأنفق بسخاوة نفس يبارك لك في المال والولد.إمام مسجد عمر بن الخطاببن غازي ـ براقي

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات