+ -

يتميز كل شهر من الأشهر الهجرية بمجموعة من الخصائص والمميزات التي تجعله يختلف تماما عن غيره من بقية الأشهر، ويعد شهر رمضان أبرز هذه الأشهر إن لم يكن أبرزها على الإطلاق، حيث يرتبط بعبادة عظيمة خصها اللّه لنفسه دون سائر العبادات. يرتبط بهذا الشهر مجموعة من العبادات كالصيام وقراءة القرآن والتنافس على البر والخير، كما هو مرتبط بمجموعة من العادات والتقاليد التي أضحت جزءا لا يتجزأ من طبيعة الشهر الكريم لدى العائلات الإسلامية عموما والجزائرية على وجه الخصوص، حيث تتفانى ربات البيوت في إعداد أشهى الأطباق، كهدية دنيوية للصائم، قبل الثواب والجزاء الأخروي يوم القيامة.ولا يمكن الحديث عن لذة هذه الأطباق دون الحديث عن الأواني الفخارية التي عرفت إقبالا كبيرا عليها خلال المواسم الأخيرة، ما جعلها الوسيلة الرئيسية لعملية الطبخ وإعداد وجبتي الفطور والسحور خلال شهر الرحمة، والإضافة النوعية لديكور المائدة، فاستحقت هذه الأواني لقب سيدة وملكة المائدة الرمضانية الجزائرية.انتعاش أسواق الأواني الفخارية قبل وأثناء الشهر الفضيلواستعداد لهذه الشهر، تقوم معظم العائلات بتجديد محتويات مطبخها، سواء بإضافة أوان فخارية جديدة، لتلك القديمة، أو الاستغناء عن الأواني المعدنية والبلاستيكية باقتناء الأواني الفخارية، حيث تنتعش الأسواق الخاصة ببيع هذه المواد أياما قليلة قبل دخول شهر رمضان وأثناءه، مثلما وقفت عليه “الخبر” بالمحلات المقابلة للطريق الوطني رقم75 الرابط بين ولايتي باتنة وسطيف، على مستوى مشتة طاقة “رأس العين” ببلدية سريانة، والذي شهد توافد الزبائن بشكل كبير من مختلف ولايات الوطن، وعلى وجه الخصوص ولايات باتنة وسطيف والجزائر العاصمة. وفي هذا السياق قال البائع “صلاح. ر« إن الإقبال على شراء هذه الأواني يكون طيلة فترات الموسم، لكن هذا النشاط على مستوى حركة البيع والشراء يزداد كثيرا قبل حلول الشهر الفضيل وخلاله، كما أشار إلى أن الإقبال يعود أيضا لتوازي شهر رمضان مع فصل الصيف.وعرفت أسعار بعض هذه الأواني الفخارية ثباتا مقارنة بالموسم الماضي مثل جرة “قُلة” المياه البالغ سعرها 250 دينار، إضافة للصحون، في حين شهدت أنواع أخرى زيادة طفيفة مثل الطاجين حيث بلغ سعره 300 دينار بعدما كان الموسم الماضي 250 دينار، والطاجين القبائلي الذي ارتفع سعره من 300 إلى 400 دينار، بسبب الثلوج الكثيرة المتساقطة خلال فصل الشتاء الماضي، ما صعَّب من استخراج الطين التي تعد المادة الأولية لهذه الأواني، وكذا اهتمام سكان المنطقة بالزيتون في مقابل قلة الاهتمام بهذه الحرفة من جهة والمنافسة من المنتجات التونسية من جهة أخرى، حسب ما ذكره أحد الباعة، في حين كانت الزيادة الخاصة بإبريق الحساء مقدرة بـ100 دينار، فبعد أن كانت قيمته 200 دينار أصبح هذا الموسم 300 دينار، وتنوعت الأسعار الخاصة بباقي المنتجات، مثل قصعة الكسكسي التي بلغ سعرها 5000 دينار، وبلغ الطاقم الفخاري التونسي المصنع والخاص باللبن 800 دينار.العودة إلى الأصل أهم أسباب اقتناء الأواني الفخاريةبغرض معرفة أسباب الإقبال الكبير على شراء هذه المنتجات، سألت “الخبر” بعض الزبائن، حيث اعتبر السيد “أ. ع« من بلدية عين ياقوت أن الاقتداء بالأجداد هو الدافع وراء شرائه لهذه الأواني الفخارية، مشيرا أن الأكلات التي يتم إعدادها بالأواني الفخارية تحمل ذوقا طيبا، خاصة مع خلو هذه الأواني من المواد الكيماوية عكس الأواني الحديثة، مضيفا أن رمضان يعد بمثابة فرصة للاجتماعات العائلية الخاصة، والتي أصبحت نادرة في زماننا، وعليه فإن هذه الاجتماعات العائلية الكبيرة سيكون لها طابع اجتماعي خاص بتواجد الأواني الفخارية لتزين المائدة، وهي التي ترتبط صورتها بصورة الجذور الأولى للعائلات نفسها. وعن أمنيته قال المتحدث إنه يتمنى عودة كل العائلات الجزائرية لهذا الموروث الثقافي المحلي قبل أن يكون شيء آخر، ما سيدفع بعجلة التنمية المحلية وخدمة الاقتصاد المحلي، بدل استعمال الأواني الحديثة الأجنبية، ودخول قاعات المستشفى في إشارة ضمنية لخطورة المواد المستعملة في المواد المنزلية الحديثة. كما أرجع شخص آخر أسباب اختيار الأواني الفخارية إلى اقتناع العائلات بكون هذه الأواني صحية أكثر، مقارنة بمثيلاتها من غير الفخار، مضيفا أن عدد من العائلات يعتمد على هذه الأواني في الأعراس بهدف إعطاء جانب تقليدي للحياة الزوجية بالنسبة للعروسين، أو كهدايا بالنسبة لأصدقاء العروسين، أما السيد “م. ط. ب« فيقول إن الشوربة لا تكتمل بنتها ومذاقها إلا إذا طُهيت بالأواني الفخارية، مضيفا أن الطهي في هذا القدر لا يكون إلا في شهر رمضان فقط دون بقية شهور السنة، ما يدل على العلاقة الكبيرة بين شهر رمضان من جهة وهذه الأواني من جهة أخرى.التجارب العلمية أهم الأسباب للعودة إلى الفخاروتعتبر آراء المختصين في التغذية حول الفائدة الصحية للأواني الفخارية، وكذا التجارب العلمية التي أُقيمت حول هذا النوع من الأواني وما نتج عنها من نتائج إيجابية، أحد أبرز العوامل التي ساهمت في عودة العائلة الجزائرية إلى اقتناء هذا النوع، خصوصا ما يتعلق بمحافظتها على القيمة الغذائية للمواد التي تُطهى بداخلها بالنسبة للقدور، أو الطبيعة الميتة للمياه التي تكون في الوسائل الخاصة بنقل أو تخزين المياه، والقنوات الناقلة لهذه المادة، أو حتى القارورات التي توضع فيها، إذ لا تزول إلا إذا وضعت داخل الجرة (قُلة) المياه. كما يؤكد الباحثون في هذا المجال أن العنصر الوحيد الذي بإمكانه أن يحوّل المياه إلى طبيعتها الحية هو الفخار، خاصة أنه مصنوع من مادة الطين وهي نفسها المادة التي خرج منها الماء أول مرة.العادات والتقاليد أصبحت مطلبا في ظل كثرة الأمراضبعد أن كثرت الأمراض في السنوات الأخيرة وسط المجتمع الجزائري، والمرتبطة أساسا بطبيعة بعض المواد المستعملة في حفظ وتخزين وطهي المواد الغذائية، أصبح الطريق معبدا من أجل العودة إلى العادات والتقاليد الجزائرية بخصوص أواني الطهي الفخارية، إن أرادت العائلات تقليل حجم الأمراض المرتبطة ببعض الأواني المعدنية، في ظل تحذير المختصين من خطورتها الكبيرة على صحة الإنسان.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات