أحلام تقتل والدها دقائق قبل الإفطار

+ -

تسود في المجتمع الجزائري الفكرة التالية “البنت تحن لباباها”، بحكم أن معظم الآباء حنانهم وعطفهم كله تأخذه البنات، فهو قد يضطر إلى ضرب أولاده الذكور لكن أن يضرب الأب ابنته أو بناته فقليلون من يفعل ذلك. لقد حوّلت الظروف المعيشية المتردية في مجتمعاتنا العربية الأب إلى وحش بشري ووسعت من فجوة الخوف وجعلت علاقة الأولاد والأب تعتمد على الخوف والتخويف، بحكم أن الأم هي التي ترعى أبناءها، وأصبحت صديقة لهم، ولكن بمجرد الخطأ يظهر دور الأب الذي أسندت له مهمة رئيسية من الزوجة وهي تخويف الأبناء وضربهم، وهو ما سيطر على عقول العائلات العربية والجزائرية، وأصبحت كل ربة بيت تستخدم عبارات متعددة ومتنوعة كتلك المتداولة وسط الأسر الجزائرية “ضرك نقول لباباكم” و«كي يدخل عندي واش نقوللو” و«روحو أفريوها معاه”، وغيرها من عبارات التهديد والوعيد، التي باتت مرتبطة برب البيت.صورة الأب- الوحشقد تكون أحلام صاحبة الـ19 ربيعا التي تعيش في حي شعبي بباتنة من اللواتي ترسخ في ذهنها فكرة الخوف من والدها، وجعلته أحيانا وحشا في مخيلتها من خلال النقاشات اليومية التي تحدث مع والدتها، التي ربما وجدتها قريبة إلى قلبها أكثر من والدها الذي أنهكته مصاعب الحياة المعيشية بعيدا عن العلاقة التي تقول إن الأب حنون عطوف على بناته.لكن أحلام التي أرادت أن تحمي والدتها سمحت في تلك العلاقة التي قد تكون ربطتها بوالدها وقامت بالتفريط فيها بغية إنهاء الصراع الزوجي الذي تجاوز حدود النقاش الكلامي بين والديها، ووصل إلى صراعات الضرب والإهانة، ما جعلها تنهي تلك العلاقة بقتل والدها قبل موعد الإفطار بدقائق في الرابع عشر أوت من سنة 2011.قرية الحمص بحي كشيدة بباتنة شاهدة على الجريمةدقائق فقط كانت تفصل الصائمين، في صيف حار، عن أذان المغرب في شهر أوت من سنة 2011 حتى سمع الجيران صراخا عنيفا بالقرب من مسكن الضحية “و. ق«، بقرية الحمص التي اسمها دال عليها. فهو الحي الذي معظم ساكنيه من أولئك الذين هجرتهم العشرية الدموية من مناطق عديدة من الولاية ومن الوطن ووضعتهم وسط هذا الحي الشعبي. لقد كانت الحادثة بهذا الحي غريبة على سكانها الذين عثروا على جثة الضحية ملطخة بالدماء وتسبح في بركها، وعلى مستوى الرقبة جرح عميق، وغير بعيد عنه خنجر ملطّخ بدمه.في هذه الأثناء، علم الجيران، بل أدركوا، أن نهاية جارهم لن تخرج عن جريمة قتل اقترفتها زوجته أو أحد أبنائه بسبب الشجارات اليومية التي كانت تميز حياة هذه العائلة. كان اليوم حزينا، وليلة أحزن منها، عندما أرادت “أحلام” وضع نهاية حقيقية لتلك الشجارات العائلية عندما سلمت ذاك الخنجر لمصالح الشرطة التي حضرت مباشرة بعد وقوع الجريمة، وقالت لهم إنها من قامت بقتل والدها.أحلام أمام هيئة المحكمة: “أنا لم أقتل أبي”عادت أحلام أثناء الجلسة وأنكرت ذلك في تصريحاتها، وأكدت أنها كانت رفقة شقيقتيها في غرفة من المنزل وقبل دقائق فقط من أذان المغرب طلب منها والدها إعداد الإفطار، وفي تلك اللحظات وقع نقاش لفظي بين الوالدين، بعدما قام هذا الأخير بدفع والدتها مسقطا إياها أرضا، الأمر الذي تطلب تدخلها رفقة شقيقتها الصغرى، التي تعرضت هي الأخرى للخنق في بداية الأمر من قِبل الوالد، قبل أن تتحدا وتتجندا، حيث قامتا بإخراج الوالد خارج المسكن لكنه بقي يصر على دخوله، وكان، حينذاك، يحمل بيده خنجرا كبيرا، كان رفيقا له في عملية الحراسة في عمله.دافعت عن والدتها فدفعت الثمنأحلام في شهادتها أمام هيئة المحكمة التي حضرتها “الخبر” قالت إنها لم تكن تعلم أن النقاش الذي دار بينها وبين والدها، وهو يحمل ذلك الخنجر الكبير، سينتهي بوفاته.. لقد كانت أحلام تريد تهدئته وهو في لحظة غضب شديدة، لكنها فقدت والدها، فهي كما تقول في شهادتها حاولت مرارا نزع الخنجر من يده، وهو الذي كان في لحظة غضب، ما عرضها للإصابة على مستوى المعصم، وعلى مستوى أحد أصابع يدها، ليدفعها إلى الخلف بعدما ظهر جليا أنه لم يكن يريد أن يؤذي فلذة كبده، وإنما كان يريد الوصول إلى زوجته، حسب كلام أحلام، وقد شاهدت أباها يضع يده على رقبته، وفي تلك اللحظة أحست أنه نزع الخنجر من يده، حيث أمسكت بهذه الوسيلة في الوقت الذي تراجع والدها للوراء للجلوس والسقوط أمام مسكن جاره، الذي بمجرد خروجه من مسكنه شاهد أحلام وهي تمسك بالخنجر ووالدها ساقط وملطخ بالدماء.المختص في علم النفس الإجرامي الأستاذ إبراهيم بوزيد“مصدر الإحباط هو الأب والفتاة أرادت إزالته” يعرف الأستاذ بوزبد إبراهيم العدوان على أنه رد فعل ضد مصدر الإحباط من أجل إزالة المصدر أو التغلب عليه. وهو سلوك بدني أو لفظي يقصد به الحاق الأذى والضرر، وهو ما يستخلص من الجريمة التي حدثت في 14 أوت 2011 بقرية الحمص بحي كشيدة (جريمة قتل الأصول) والتي راح ضحيتها الأب حسب وقائع الأحداث. حيث يقول: “من الحادثة يبدو أن المصدر الافتراضي للإحباط هو الأب والرغبة كانت ملحة في إزالته، وقد اتضح ذلك في تصريح الابن (والدي اعتاد ضرب والدتي منذ أن كنا صغار، وكان يضربنا جميعا، ويطردنا من المنزل، وقد طردنا لعدة مرات). إن الإشكالية في هذه الجريمة لا ترتبط بموضوع الإحباط، بل عن المفهوم أو الفكرة (التي كوّنها الأبناء عن الأب الذي حسبهم) هو موضوع الإحباط، وقد ساهمت الأم في تعزيز هذه الفكرة السلبية (الأب هو مصدر الإحباط)، فعوامل الكف قد تلعب دورا هاما في إيقاف السلوك العدائي الموجه نحو مصدر الإحباط الذي قد يكون افتراضيا، وعوامل التعزيز تزيد من السلوك العدواني. والخطأ هنا يعود إلى الأصل المرتبط بمفهوم الزواج، فما نراه اليوم أن الزواج مبني على مفهوم الحاجة، فالشريك يختار شريكه ليمده بأعلى حد من الإشباع، وفي حالة عدم تجسيده لهذا التصور يشعر بالإحباط، كما أن صراع المرأة والرجل في المجتمع الجزائري هو موروث ثقافي، ورثناه من ممارسات أسلافنا”. شهادة أحد الجيران تؤكد تورط أحلام والأخ يبرئ شقيقتهاختلفت شهادات الجيران عما روته أحلام في تصريحاتها، فهناك من رآها وهي تقتل والدها بخنجر كبير، وهي توجه له ضربات عمودية، حيث حاول أن يتفادى تلك الضربات، لكنه لم يستطع منعها إلى غاية سقوطه، وهي شهادة قالت عنها أحلام إنها غير صحيحة، وأوضحت أن والدها كان يمسك بالخنجر بيديه اليسرى فوق اليمنى بشكل عمودي، وكان غرضها نزع الخنجر من عنده من خلال جذبه وسحبه.شهادة الابن كانت في صالح شقيقته أحلام ووالدته، حيث أكد هو الآخر أن والده كان كثير الغضب، ويقدم بشكل يكاد يومي على ضرب والدته منذ أن كانوا أطفالا وظلوا يتعرضون للضرب والتعنيف من قِبل الوالد الذي قام بطردهم في أكثر من مرة من المنزل.15 سنة سجنا.. أحلام أحلام تتبخر وراء القضبان قضت هيئة محكمة الجنايات لدى مجلس قضاء باتنة بـ15 سنة سجنا نافذا في حق المتهمة الرئيسية في الجريمة أحلام، وهو الحكم الذي تبخرت معه أحلام الطالبة الثانوية بعدما وجدت نفسها وراء القضبان.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات