تقاسم "الملح".. موروث شعبي يعود في رمضان

38serv

+ -

«فلان أكل ملح فلان” أو بعبارة أخرى “بين فلان وفلان ملح”، هي موروث شعبي، ومعتقد ظلت تؤمن به الأجيال الماضية على مر الزمن وتحرص على احترامه والالتزام بتطبيقه. موروث أهملته الأجيال الصاعدة وقصّرت في حقه، ما حزّ في نفوس أبناء حي وأبوا إلا أن يغتنموا فرصة شهر رمضان الفضيل لاستحضار طقوس هذا المعتقد الذي بعث فيهم روح الأخوة وألّف بين قلوبهم وجعلهم يشعرون برحمة الأمان والطمـأنينة. “الملح” عند ناس زمان يحسب له ألف حساب،  ويقولون: “إن أكلت طعام شخص آخر.. أو بمجرد تذوقك إياه، ستصبح ملتزما بالوفاء إلى الشخص الذي أكلت طعامه، وكأنك أمضيت معه على ميثاق نزاهة وإخلاص مدى الحياة، يجعلك تستحي من نفسك وتعجز عن خداعه أو الغدر به، وإن حاولت التطاول على ذلك الميثاق فستدفع ثمن خيانتك آجلا أم عاجلا، كما يقال باللغة العامية (تخرج فيك) لا محالة”.معتقدات كهذه تركت بصماتها في الأجيال السالفة وتمكنت من تثبيت حبل العلاقات التي كانت تربط الأفراد فيما بينهم، وألفت بين قلوب أسلافنا من أباء وأجداد، وزرعت روح التضامن فيهم وجعلتهم يشعرون بالأمان، “حتى إن أبواب المنازل كانت تبيت مفتوحة على مصراعيها”، على حد قول إمام مسجد البشير الإبراهيمي بشارع الشهداء بأعالي الجزائر العاصمة، الشيخ عبد القادر سناتي.لكن، وللأسف، هذه الكنوز الحميدة راحت تندثر يوما بعد يوم، وأصبح الجار يخاف جاره، وزالت تلك الثقة العمياء بين أهل الحي الواحد، ما دفع سكان شارع الشهداء بالجزائر العاصمة إلى الالتفات لإعادة بعث وجدان هذه الطقوس والعادات، في محاولة “لرد لحمة التضامن في المجتمع وإعادة زرع روح الأخوة بين سكان الحي وحتى عابري السبيل كان لهم نصيبهم”، حسب ما صرح به الشيخ عبد القادر.أهل هذا الحي أرادوا أن يختصروا طريق التلاحم بين بعضهم، من خلال قيامهم بمبادرة بسيطة رائعة تحمل في طياتها الكثير من المعاني، حيث يقوم كل واحد منهم بإحضار أطعمة من منزله إلى الساحة العمومية المحاذية لمسجد البشير الإبراهيمي للمشاركة في إفطار جماعي في هذا الشهر الكريم، يأكل من مائدته جميع المصلين الذين يرتادون المسجد من أهل الحي وعابري السبيل والمحتاجين، ومن ثمة تتسنى الفرصة لكل واحد منهم ليأكل ملح الآخر.جلسات شاي وسمر بعد التراويح بالساحةو”بما أن العمل والأجر مضاعف خلال شهر رمضان لم يكتف أهل هذا المسجد بهذه المبادرة الرائعة للمّ شملهم، بل قام الإمام ومن معه من القيّمين على المسجد بتنظيم جلسات شاي بعد الانتهاء من صلاة التراويح بالحديقة المجاورة لمسجد البشير الإبراهيمي، حيث صرح الشيخ سناتي في الموضوع قائلا: “هذه الجلسات، التي سميت بـ«السمر الرمضاني”، فيها نوع من الروح للتذكير بسيرة الأجداد وأسلافنا الصالحين، كما أن عابري السبيل أصبحوا يتوقفون عندنا لشرب الشاي ويبادلوننا أطراف الحديث”، وأضاف قائلا: “هناك الكثير من أبناء الحي لا يصلون وبالتالي لا نلتقي معهم داخل المسجد، لكن من خلال هذه الجلسات تتاح لنا الفرصة للاحتكاك بهم ونصحهم ومحاولة التأثير في نفوسهم والتعرف على مشاغلهم، بالنزول إليهم وتبسيط أسلوب الحديث معهم”.ونبعت هذه المبادرة من عمق تقاليد الأجداد، خاصة في الأرياف. فبالرغم من صعوبة الوضع، جراء حرب التحرير والحرمان حتى من كسب لقمة العيش، كانوا يجدون فرصة التلاقي لربط أوصال هذا المجتمع. الشيء الذي قد يساهم اليوم كثيرا في مسح آثار الأزمة الأمنية التي فرقت بين أبناء الوطن، إذا عمت المبادرة في أماكن مختلفة من ربوعه.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات