يجـر7 شرطيين إلى المحكمة بسبـب رباط حـذاء

38serv

+ -

عادة ما تكون نهاية كل متهم مقبوض عليه في جرم تحويله على العدالة للفصل في طبيعة ما اقترفه، لكن أن تنقلب عملية الإمساك بمشكوك فيه إلى محاكمة ضد أعوان الشرطة الذين قضوا المناوبة الليلية في ذاك اليوم الذي مرت عليه خمس سنوات، فهو الأمر الاستثنائي، حيث لم يتوقع إطارات من الشرطة أن تورطهم عملية شرطية في قضية إهمال أدت إلى وفاة، بعد قيام متهم بالانتحار داخل المقر الأمني، وهي القضية الأولى من نوعها في عاصمة الشرق التي شغلت الرأي العام وأرسلت محافظا، ضابطينو٤ من أعوان الشرطة إلى العدالة.توقيف شاب بتهمة السكر العلني وانتحاره القضية التي أثارت الرأي العام وقعت ليلة خميس في 16 ديسمبر من سنة 2010، حين اتصل أصحاب السيارات مستعملي الطريق الوطني بالقرب من حي بيدي لويزة ليلا بمركز الشرطة، لإبلاغهم باعتداءات يقوم بها بعض المنحرفين مجهولي الهوية على المارة وطالت أحد المواطنين، وعليه انتقلت عناصر الشرطة إلى عين المكان، وفي رحلة بحثها صادفت شابا في حالة سكر علني بالقرب من الأقواس الرومانية أسفل ملعب الشهيد حملاوي، تم على الفور اقتياده إلى مقر الأمن بالكودية وسط مدينة قسنطينة، وترك في زنزانة بالطابق الأرضي بسبب حالة الهيجان التي كان فيها، حسب ما ذكرته الشرطة، لتحرير محضر سكر علني بعد أن أكد المشتكون أنه لم يكن مع المعتدين، وبعد عودة المفتش لمراجعته وجده يحتضر بعد أن خنق نفسه برباط حذائه، ليتم نقله إلى المستشفى ويلفظ أنفاسه الأخيرة هناك.وقد خرجت القضية إلى العلن مباشرة بعد نقل المتهم من عناصر الحماية المدنية التي أصدرت تقريرا يشير إلى نقل فرقتها شخصا حاول الانتحار من مديرية الأمن بقسنطينة إلى المستشفى الجامعي، ليتضح أن المعني يدعى “ت. كمال”، يعمل في شحن الإسمنت على مستوى منطقة الرحالة بحامة بوزيان، أقدم على الانتحار بواسطة رباط حذائه، ليحول بعدها فريق المناوبة إلى وكيل الجمهورية لدى محكمة شلغوم العيد في ولاية ميلة، حيث وجهت لهم تهمة الإهمال المؤدي إلى الوفاة، في الوقت الذي راسلت المديرية العامة للأمن الوطني مديرية قسنطينة لتوقيف المتهمين تحفظيا عن العمل بسبب الإهمال في أداء الواجب.عناصر من الشرطة أمام وكيل الجمهوريةأصدرت النيابة العامة بمجلس قضاء قسنطينة، مباشرة بعد الحادث ونتائج التحقيق الأولية حول ظروف توقيف الشاب المتوفى وانتحاره داخل الزنزانة، بيانا حول إثره وكيل الجمهورية لدى محكمة قسنطينة الملف إلى وكيل الجمهورية لدى محكمة شلغوم العيد، طبقا لمبدأ امتياز التقاضي المنصوص عليه في قانون الإجراءات الجزائية، هذا الأخير طالب بفتح تحقيق قضائي وإخطار قاضي التحقيق لدى نفس المحكمة، ضد رجال الأمن من الموظفين والإطارات الذين يحملون صفة الضبطية القضائية طبقا للمادة 288 من قانون الإجراءات الجزائية، بتهمة الإهمال المؤدي إلى الوفاة.وتم الاستماع إلى محافظ شرطة الذي كان يومها داخل مقر المديرية، إضافة إلى ضابط شرطة ونائبه، وهو أيضا برتبة ضابط، وأربعة من أعوان الشرطة كانوا عاملين ليلة الحادثة، كما استمع ولساعات طويلة إلى أزيد من 20 شخصا من بينهم شقيق الضحية وبعض شهود عيان من المدنيين والعسكريين، وسط تشديدات أمنية كثيفة. وبعد سماع المتهمين والشهود، أمر وكيل الجمهورية بإيداع المتهمين رهن الحبس المؤقت إلى غاية محاكمتهم، قبل تحويلهم إلى قاضي التحقيق لاستكمال التحقيقات وإحالتهم على العدالة فيما بعد.عائلات المتهم وأفراد الشرطة تخرج للشارعأخذت قضية وفاة الشاب كمال منحى آخر بعد قيام عائلته رفقة أصدقائه بالاحتجاج في بلدية حامة بوزيان مسقط رأس الشاب المقبوض عليه، حيث شككوا في طريقة وفاة ابنهم ووضعوا مجموعة من الفرضيات، كما طالبوا الجهات الفضائية والمدنية المختصة بالتحقيق أكثر وإبراز الحقيقة والكشف عن ملابسات الحادثة، الأمر الذي دفع رئيس أمن ولاية قسنطينة إلى التنقل إلى عين المكان والإعلان عن التزامه أمام المحتجين بمعاقبة المتسببين في وفاة الشاب. وقد عمد المعنيون إلى نقلحركتهم إلى وسط مدينة قسنطينة وغلق منافذها إلى غاية تلقيهم وعودا بالمتابعة الدقيقة للقضية من قبل المديرية العامة للأمن ومحاسبة كل من ارتكب خطأ أو جرما، حيث ظلت عائلته تتهم أعوان الشرطة وأبعدت فرضية الانتحار عن ابنها واستمرت بذلك إلى غاية تاريخ المحاكمة، متحدثة عن آثار عنف على جسده، خاصة أن عائلة الضحية أكدت أن ابنها “لا يعاني من أي اضطرابات نفسية ويكون قد تعرض لاعتداء من قبل مجهولين قبل نقله إلى مقر الأمن المركزي”.كما خرج أهالي أفراد الشرطة وأصدقاؤهم إلى الشارع وقطعوا الطريق لإنصاف أبنائهم الذين طبقوا القانون ليصدر حكم عنيف في حقهم. وكان أهالي الضحية أو أهالي الشرطة المتهمين يحتجون على مدار مراحل التحقيق والمحاكمة الأولية في القضية.لجنة تحقيق وتشكيك في ظروف الوفاةوكان للحادثة وجهات نظر مختلفة وقراءات متعددة دفعت بالمدير العام للأمن الوطني إلى التصريح بخطورة ما حدث، متوعداً بمعاقبة المتسببين. وقد حلت لجنة تحقيق ترأسها مدير مركز للشرطة القضائية بقسنطينة أعقاب الحادثة، واستمعت إلى كل الأطراف، وفي مقدمتهم مسؤول المناوبة بالأمن المركزي وعدد من أعوان الأمن، في الوقت الذي قالت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان إن الشاب المنتحر في مقر أمن ولاية قسنطينة ظهرت على جسده آثار عنف في مصلحة حفظ الجثث، وذلك على مستوى الساق والخصر والأذن، إضافة إلى آثار رباط الحذاء على مستوى رقبته، وطالبت الرابطة في بيانها بضرورة تسليط الضوء على الحادثة، بفتح تحقيق مستقل والوقوف على ظروف اعتقاله من قبل رجال الأمن، والأسباب الحقيقية لوفاته ومن ثمة تحديد المسؤوليات.محاكمة وسط احتجاجات أخذت التحقيقات في القضية أزيد من شهرين، قبل أن يحال ملف الإطارات الأمنية على محكمة الجنح بشلغوم العيد بولاية ميلة، للمحاكمة في جلسة علانية، حيث إنه خلال المحاكمة الأولى طالبت النيابة العامة بتسليط عقوبة 3 سنوات حبسا و100 مليون سنتيم غرامة مالية في حق المتهمين السبعة، أدين ستة متهمين وتمت تبرئة عون أمن، وقد تراوحت الأحكام بين ستة أشهر وسنتين مع رفض الدعوى المدنية التي طالب فيها ورثة المتوفى بثلاثة ملايير سنتيم لكل واحد منهم، وهي محاكمة تميزت بكثرة احتجاجات أهالي المتهمين وأهل الضحية، وقد توبع كل من محافظ شرطة، ضابطين، وأربعة أعوان أمن بجرم الإهمال وعدم مراعاة الأنظمة المؤدي إلى الوفاة، قبل أن يصدر حكم في المحاكمة الثانية بعد استئناف الحكم بمجلس قسنطينة بأحكام تتراوح ما بين 4 و6 أشهر حبسا غير نافذ لمحافظ وضابط الشرطة مع غرامة مالية بـ20 ألف دينار وتبرئة الباقين.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات