يقول الله تعالى: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} الكهف:28-29.يروى أنّ هذه الآية نزلت في أشراف قريش حين طلبوا إلى الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أن يطرد فقراء المؤمنين من أمثال بلال وصهيب وعمار وخباب وابن مسعود إذا كان يطمع في إيمان رؤوس قريش، أو أن يجعل لهم مجلسًا غير مجلس هؤلاء النّفر، لأنّ عليهم جبابا تفوح منها رائحة العرق، فتؤذي السّادة من كبراء قريش. ويروى أنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم طمع في إيمانهم فحدّثته نفسه فيما طلبوا إليه فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية الكريمة، أنزلها تعلن عن القيم الحقيقية وتقيم الميزان الّذي لا يخطـئ وبعد ذلك {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر}.فالإسلام لا يتملّق لأحد ولا يزن النّاس بموازن الجاهلية الأولى ولا أية جاهلية تقيم للنّاس ميزانًا غير ميزانه.. {واصبر نفسك} مع هؤلاء صاحبهم وجالسهم وعلمهم ففيهم كلّ الخير وعلى مثلهم تقوم الدّعوات لأنّ الله هو غايتهم يتّجهون إليه بالغداة والعشي لا يتحوّلون عنه ولا يبتغون إلاّ رضاه فالدّعوات لا تقوم على مَن يعتنقونها لأنّها غالبة، ومَن يعتنقونها ليقودوا بها الأتباع ومَن يعتنقونها ليحقّقوا بها الأطماع وليتجرّأوا بها في سوق الدّعوات تشترى منهم وتباع، إنّما تقوم الدّعوات بهذه القلوب الّتي تتّجه إلى الله خالصة له، لا تبغي جاهًا ولا متاعًا ولا انتفاعًا، إنّما تبتغي وجهه وترجو رضاه. ولا تطع هؤلاء الكفرة فيما يَطلبون من تمييز بينهم وبين الفقراء، الّذين يتّبعون أهواءهم أهواء الجاهلية ويحكمون مقاييسها في العباد، فهم وأقوالهم سفه ضائع لا يستحقّ إلاّ الإغفال جزاء ما غفلوا عن ذِكر الله.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات