+ -

ندب الله عزّ وجلّ إحياء ليلة القدر لأنّها ليلة شريفة مباركة معظّمة مفضّلة، تُرجَى إجابة الدّعاء فيها، وهي أفضل اللّيالي حتّى ليلة الجمعة، قال الله سبحانه وتعالى: {ليلةُ القدر خيرٌ من ألف شهرٍ} القدر:3، أي قيامها والعمل فيها خير من العمل في ألف شهر خالية منها. قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “مَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدّم من ذنبه” أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه.روى الإمام أحمد وابن ماجه والتّرمذي وغيرهم عن أمّ المؤمنين السيّدة عائشة رضي الله عنها عندما قالت له: يا رسول الله، أرأيتَ إن علمتُ ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي: “اللّهمّ إنّك عَفُوٌ تُحِبّ العفو فاعفُ عنّي”.وإنّ هذا الدعاء من أعظم الأدعية وأجلِّها “اللّهمّ إنّك عفوٌ كريمٌ تحبّ العفو فاعف عنّي”، والمقصود أنّ هذا الدّعاء العظيم هو من خير ما يدعو به الصّائم في هذه اللّيلة، فإنّك إن قمتَ بذلك فقد حصلت أمورًا: الأوّل: أنّك توسّلتَ إلى الله جلّ وعلا بصفاته الكريمة، وذكرتَ من صفاته الجليلة صفتين عظيمتين: العفوّ، وهو الّذي يعفو ويغفر الذّنوب ويسترها ويمحوها ويكفِّرها، بل ويبدّلها حسنات بعد أن كانت سيّئات، والكرم الذي يقتضي سعة العطاء وسعة الفضل وسعة المغفرة، فتوسّلتَ إلى الله عزّ وجلّ بهذين الاسمين الكريمين؛ كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} الأعراف:180. ثمّ بعد ذلك أكدتَ هذا الدّعاء بقولك: “تُحِبُّ العفو”، أي أنّك عفو كريم وتحبّ العفو عن عبادك الضّعفاء المذنبين؛ ثمّ صرحت بالدّعاء فقلتَ: “فاعفُ عنّي”، فسألته سبحانه وتعالى أن يعفو عنك، وهذا العفو إن ناله العبد فقد ظفر بأعلى المراتب؛ لأنّ مَن عَفَا الله تعالى عنه فإنّه لا يكتفي بأن يغفر ذنوبه فقط ولا أن يسترها عليه فقط، بل ويرفع درجاته ويُعلي مقامه؛ فإنّه واسع العطاء كريم جلّ وعلا، حتّى إنّه يقلّب السّيّئات حسنات، وكما قال سبحانه: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا} الفرقان:70.فلا ينبغي الاستهانة بهذا الدّعاء، لأنّ العفو والعافية لا يعدلهما شيء، فمَن عفا الله تعالى عنه وعافاه سعد في الدّنيا والآخرة، ولذلك فإنّ من أدعية الرّسول صلّى الله عليه وسلّم المأثورة التي كان يكثر منها: “اللهم إنّي أسألُك العافية في الدّنيا والآخرة، اللّهمّ إنّي أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي” رواه أبو داود. وقد جاءه عمّه العبّاس بن عبد المطلب رضي الله عنه فقال له: يا رسول الله علّمني شيئًا أسأله الله عزّ وجلّ قال: “سل الله العافية، فمكث أيّامًا ثمّ جاء، فقال: يا رسول الله: علّمني شيئًا أسأله الله تعالى، فقال: يا عبّاس يا عمّ رسول الله: سلْ الله العافية في الدّنيا والآخرة” رواه الترمذي وغيره وصحّحه.ولا يقتصر إحياء ليلة القدر على الدّعاء، فمن أهم ما ينبغي إحياؤها به الصّلاة، وذلك لما في الصّحيحين مرفوعًا: “مَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدّم من ذنبه”، وكذلك تلاوة القرآن وغيرها من أنواع القُربات، والله أعلم.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات