موظفـون يحولـون مقرات العمل إلى أماكن للعبادة

+ -

يصوم العديد من الموظفين سواء في المؤسسات العمومية أو الخاصة عن العمل طوال شهر رمضان بالجزائر، بحجة التعب والحرارة وقلة النوم. فيتحايلون لترك مناصبهم حتى في الساعات الحرجة، بحجة أداء الصلاة وقراءة القرآن، معطلين مصالح المواطنين، خاصة في الإدارات، رغم أن الصيام والعمل وجهتان لعملة واحدة هي العبادة. يسيطر الإهمال والكسل على الكثير من الموظفين، رغم أن ساعات العمل في شهر رمضان تكون أقل من معدلها الطبيعي في باقي أيام السنة. فبين من يعتبر العمل محطة يومية لتمضية الوقت في انتظار موعد الإفطار، وموعدا للنوم و”كبح” النشاط الاعتيادي، يحرص الكثيرون على حصد الثواب حتى في مقرات عملهم، بتحويلها إلى أماكن للعبادة، مقصرين بذلك في واجباتهم المهنية، على حساب المواطن الذي يدفع ثمن تعطل مصالحه من وقته وماله وأعصابه.“راهو يصلي”عبارة نسمعها كثيرا في الإدارات التي تعرف توافدا كبيرا للمواطنين خلال شهر رمضان. فببلدية سيدي امحمد بالعاصمة، انتظر محمد طويلا لاستخراج شهادة الإقامة، والسبب أن عون المصلحة المختصة ذهب لأداء صلاة الظهر.يقول محمد غاضبا: “أشعر بالدوار من شدة الانتظار، فأنا مصاب بالضغط الدموي، فمتى يستوعب هؤلاء أن شهر رمضان ليس موعدا للتحايل؟”. لم يصمد محمد طويلا بسبب الحرارة، فاضطر لمغادرة البلدية على أن يعود في اليوم الموالي.وبسبب هذه السلوكات، يضطر الكثير من المواطنين لإرجاء مشاغلهم العالقة إلى ما بعد شهر رمضان، لأن الموظفين متعبون، وكأنهم وحدهم الصائمون، وهو حال كهل استوقفنا وهو يحدّث صديقه في الطابور بالمركز البريدي لبلدية وادي السمار عن معاناته لتجديد وصل إيداع ملف البطاقة الرمادية لسيارته.وواصل المتحدث قائلا: “قضيت ساعات في طابور لتجديد وصل إيداع ملف البطاقة الرمادية بسبب ذهاب الموظف لأداء الصلاة، وعندما عاتبته على التأخير انزعج، فترك منصبه تاركا طابورا من المواطنين، حينها تدخل أحد زملائه طالبا منهم أن يعذروه فرمضان يغلبو وما يخلي فيه والو”.“قراءة القرآن ولا وجع الراس”صحيح أن “العمل عبادة”، لكن هذه المقولة لا تطبق في شهر  الصيام عند شريحة كبيرة من الموظفين الذين يجدون في قراءة القرآن أيضا ضالتهم، هروبا من وجع الرأس ومشقة العمل و”نرفزة” المواطنين.وروى إطار في بنك موقفا حدث له في طوارئ أحد المستشفيات، حيث ظل الممرض يقرأ القرآن غير مكترث للمريض الذي كان يصارع آلام المعدة “وعندما طلبنا منه إن كان بإمكاننا الدخول لمكتب الطبيب المداوم، نظر إلينا الممرض بغيظ، كأننا ارتكبنا إثماً”.ويرى محدثي أن “مفهوم العمل أصبح غير ضروري في شهر رمضان، نتيجة الاعتقاد الخاطئ بأنه للعبادة فقط، وليس للعمل، ما ينتج عنه تعطيل معاملات المواطنين”.حكم الدين: “تعطيل مصالح المواطنين حرام”أما بخصوص حكم الدين، فيقول رئيس نقابة الأئمة، جلول حجيمي، إن الإنسان يؤثم على أخذ أموال دون عمل، وحتى يكون صيامه مقبولا لا بد أن يسترزق بالحلال لقوله تعالى: “إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه”، فالذي يرفع الدعاء هو العمل الصالح، إلا لمن كان له متسع من الوقت في العمل أو رخصة من صاحب العمل.وأبرز الشيخ حجيمي موضحا: ينبغي إعادة النظر في مفهوم العمل فهو عبادة، لأن انتصارات المسلمين كانت في رمضان”، مشيرا إلى أن الموظف بإمكانه ترك منصب عمله لأداء الصلاة لبضع دقائق وليس لساعات دون المساس بحقوق الآخرين، لكن هناك ضروريات في الحياة، فالطبيب مثلا لا يمكنه ترك مريضه يصارع الموت لأداء الصلاة، لقوله تعالى “ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا”.ويشاطره الرأي نواسة يوسف، إمام وأستاذ بالمدرسة العليا للأساتذة ببوزريعة، الذي أكد أنه لا يجوز تعطيل مصالح المواطنين بالتحجج بالصلاة وقراءة القرآن، لأن ذلك يلحق ضررا بالآخرين، مضيفا “بدل أن يقضي الصائمون أوقاتهم أمام الفضائيات عليهم بقراءة القرآن”.ويرى نواسة أنه من الأفضل أن يستأذن الموظف مسؤوله قبل ترك منصبه لأداء الصلاة، ليحفظ عبادته ومصالح الناس.من جانبه، قال الشيخ شريف قاهر، رئيس لجنة الفتوى بالمجلس الإسلامي الأعلى وأستاذ التشريع الإسلامي بالمدرسة العليا للقضاء، إن الموظف ينبغي أن لا يغادر مكان عمله لأداء الصلاة في الأوقات التي تعرف توافدا كبيرا للمواطنين “فإذا استأذن مسؤوله فلا بأس، لكن لا ينبغي ترك منصب عمله دون رخصة، لأن شهر رمضان شهر عبادة وعمل”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات