+ -

 يمكن للإنسان أن يعرف طريقه إلى فضيلة الصّبر باستعانته بالله في تعوده الصّبر واستمساكه به، وهذا هو الصّبر بالله على حدّ تعبير أحد الرجال الكاملين العارفين بالله، المستمد من قوله تعالى في آخر سورة النّحل: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ}، فهو سبحانه وتعالى يهب عبده نعمة الصّبر إذا عاناه الإنسان وحاول التزيّن به، ولذلك قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “مَن يتصبّر يصبّره الله”، ومَن ازدان بالصّبر حقّ الصّبر واستكمله في نفسه عرف الطّريق إلى مكانة.واعلم أنّ الّذي أنزل الدّاء أنزل الدّواء ووعد بالشّفاء، فالصّبر وإن كان شاقًا فتحصيله ممكن بمعجون العلم والعمل كما قال الإمام أحمد بن قدامة المقدسي، فمنهما تركّب الأدوية لأمراض القلوب كلّها، فيحتاج كلّ مريض إلى علم وعمل يليق به. فإنّ العلل إذا اختلفت اختلف العلاج، إذ معنى العلاج مضادة العلّة. ويضرب لنا مثلاً فيقول رحمه الله: “إذا افتقر الإنسان إلى الصّبر عن شهوة الجماع وقد غلبت عليه بحيث لا يملك فرجه ولا عينه ولا قلبه فعلاج ذلك بثلاثة أشياء: أحدها: مواظبة الصّوم، والاقتصار عند الإفطار على قليل الطّعام. الثاني: قطع أسبابه المهيّجة، فإنّه إنّما يهيج بالنّظر، والنّظر بالقلب والقلب يحرّك الشّهوة، ودواء هذه العزلة، والاحتراز عن مظان وقوع البصر على الصّور المشتهاة، فإنّ النّظر سهم مسموم من سهام إبليس ولا يمنع عنه إلاّ غضّ الجفن أو الهرب. والثالث: تسلية النّفس بالمباح من جنس المشتهى وذلك بالنّكاح، وكل ما يشتهيه الطّبع من الحرام ففي المباحات غنية عنه وهذا هو العلاج الأرفع في حقّ أكثر النّاس لأن قطع الغذاء يضعف ولا يقمع الشّهوة بخلاف هذا، وينبغي للإنسان أن يعود نفسه المجاهدة فإنّ مَن عوّد نفسه مخالفة الهوى غلبها متَى أراد”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات