+ -

احتمى الطفل أحمد بزميله لحظة سماعه انفجارا عنيفا هزّ مدينة رفح جنوب القطاع، خلال عودتهما من اللعب بمنتزه قريب، لينطق والرجفة تتملكه “قصفوا اليهود”، ليرد زميله “ماتخافش، بابا قالي هاد مش من اليهود، هاد في مصر”.أحياءٌ سكنية في رفح جنوب القطاع تلتصق بالحدود المصرية الفلسطينية، كحي البرازيل والسلام ومخيم يبنا ومنطقة صلاح الدين، تعيش أجواء حرب بكل تفاصيلها، إثر أصوات القصف والمدفعية والرشاشات الثقيلة الصادر عن العملية العسكرية التي يقودها الجيش المصري في سيناء، “الخبر” زارت تلك الأحياء للاطلاع على أحوالها عن كثب.تتجاور مدينتا رفح الفلسطينية والمصرية كتوأم ملتصق، لا يفصل بينهما إلا جدار وعدة أمتار (بعدما كانتا مدينة واحدة) الأولى تحت الحصار الإسرائيلي والأخرى ليست أفضل حالًا.انفجار يتلوه آخر، وإطلاق نار لا يكاد يهدأ حتى يعود أشد كثافة، تحليقٌ مستمر للطيران المروحي على ارتفاعات منخفضة، هي أجواء تعيشها رفح الفلسطينية الملاصقة لمسرح عمليات الجيش في توأمها المصرية منذ أيام.أبو أحمد الهمص يقطن قرب بوابة صلاح الدين، التقينا به بعد أن أنهى تلصيق قطع من القماش على نوافذ منزله التي تكسرت من شدة أحد الانفجارات “والله ما لحقنا نصلحها من حرب اليهود، لتدمر من تفجيرات الجيش المصري للبيوت”.الجيش المصري بدأ منذ أيام حملة عسكرية ضد “الجماعات الإرهابية المسلحة” في سيناء إثر مقتل العشرات من جنوده على يد ولاية سيناء الموالية لـ“داعش”. وخلال جولة “الخبر” هزّ المكان انفجار عنيف، لتعم الأجواء سحابة الدخان الناتج عن تدمير منزل جديد في رفح المصرية، ليقول الستيني أبو محمد “هذا حالنا، في النهار تفجيرات وطول الليل إطلاق نار، الحياة لا تطاق!”.نيران سيناء الطائشة ترعب أطفال غزةويخشى الفلسطينيون القاطنون في المنطقة الحدودية الفاصلة بين رفح والأراضي المصرية، جنوب قطاع غزة، من تطور الأحداث الجارية في الأراضي المصرية وخاصة في صحراء سيناء، نتيجة الاشتباكات الدائمة والمستمرة بين الجيش والجماعات المسلحة هناك.  “أولادي صارت عندهم حالة هوس من الأصوات، كل صوت عالي بيفكروه انفجار”، يشتكي أبو أمجد من الحالة التي وصل إليها أطفاله بسبب الأصوات الضخمة التي تهزّ منزله على مدار الساعة.المواطن علاء من سكان المنطقة يتخوف من إصابة عائلته من الطلقات الطائشة الناتجة عن الاشتباكات في الجانب المصري قرب الحدود، “الاشتباكات المستمرة التي نسمعها يوميا في رفح المصرية مقلقة لنا خصوصاً في الليل، حيث نرى بعض الطلقات مضيئة في سماء المنطقة وبعضها باتجاهنا”. الحيطة والحذر هما سيدا الموقف. إلى جانب ذلك فإن أصوات الرصاص بمختلف أنواعه والانفجارات تحدث ضجيجا قويا، يروي أبو محمد “في الأيام الأخيرة شاهدنا أكثر من مرة طلقات تضرب منازل جيراننا، وهذا يجعلنا نأخذ الحيطة والحذر الدائم من أن تصيبنا بعض الطلقات الطائشة”. شاهد يروي قصة أخرى من رفح “في إحدى المرات انفجرت قذيفة صاروخية في الهواء، يبدو أنها قذيفة أر بي جي، كانت متجهة نحو حي البرازيل، وكادت أن ترتطم بأحد المنازل في المنطقة”.وتحدثنا لأحد أطفال أبو محمد “والله يا عمو دارنا بتهتز من الانفجار، زي أيام قصف اليهود في الحرب”، وردًا على سؤال مدى خوفهم من الانفجارات “بنضلنا (نبقى) طول اليوم جنب بابا، بنخاف نقعد لحالنا”.فلسطينيون يفرون من خط النارأصوات الانفجارات لا يقتصر سماعها على الأحياء الملاصقة للحدود، بل ينتشر صداها القوي في كافة أرجاء مدينة رفح الفلسطينية، لتعود بذاكرة أهلها لأصوات صواريخ الاحتلال وقذائفه، إلى الجهة الشمالية من الحدود البعيدة نسيبا عن خط التماس، فالمواطن محمد علي الذي يسكن في بناية مكونة من 7 طوابق في منتصف المدينة، ورغم بعده قليلاً عن الحدود الفلسطينية المصرية، فإنه يحرص على الإقامة ليلاً في غرفة بعيدة عن جهة الاشتباكات وغير مطلة على الحدود. ويفسر المواطن حذره قائلا “بعض الأحيان تصل طلقات نارية عشوائية إلى منزلي أثناء اشتعال الاشتباكات في رفح المصرية، وشبابيك المنزل المطلة على المنطقة الحدودية مغلقة دائماً، والجميع ممتنع عن الوقوف عليها خاصة الأطفال، لأن حياتهم تكون معرضة للخطر”.وعلى جانب آخر من المناطق الحدودية في حي السلام، استعدت عائلات فلسطينية للرحيل مؤقتا من الحي، وهو أقرب نقطة فلسطينية إلى الحدود المصرية، بينما التزمت بعض العائلات ولم تغادر خوفا من الانفجارات وتأثيراتها.قال أحد سكان الحي “بعد ساعات الفجر بدأنا نسمع أصوات المدفعية والطائرات، وكأن الحرب بدأت من جديد، تحمل الكوابيس والخوف والرعب في صفوف الأطفال الذين تعالت أصوات صرخاتهم مع كل صوت انفجار يسمع في المنطقة”.أهل رفح وكأنه كتب عليهم أن لا يفارقوا أجواء الحرب الإسرائيلية على غزة، عبر عودتها ولكن بالنكهة المصرية، ليشاطروا خلالها جيرانهم المأساة التي يحيونها بفعل تدمير الجيش المصري لمنازلهم وتهجيرهم قسرًا عن مدينتهم، وأصوات انفجارات العملية العسكرية بسيناء.10 فلسطينيين علقوا داخل نفق بسبب الانفجاراتمن جهة أخرى، علق 10 شبان داخل نفق للتهريب على الحدود مع مصر، بعد حدوث انهيارات كبيرة في أجزاء من النفق، ووفقا للمصادر المتعددة، وقع انهيار مفاجئ نتج عن قوة الضربات العسكرية، ما أدى إلى ارتجاج الارض”. وقال أحد عمال الأنفاق “نحن في باطن الأرض نحفر بأظفارنا لنعيش نشعر بارتجاج الأرض من فوقنا ومن تحتنا، وفي أعوام سابقة قتل الكثير منا نتيجة ذلك او أثناء تفجير الجيش المصري فوهة النفق من الجانب الآخر”.وعلى الفور هرعت فرق من الدفاع المدني، وبمساندة عدد من المتطوعين بدأت عمليات حفر مكثفة في محاولة للوصول للعالقين، وقد جرت محاولات عدة للاتصال بهم عبر جهاز الاتصال السلكي المتواجد داخل النفق، لكن دون فائدة، وبعد يومين متتاليين من البحث  تمكنت الطواقم من انتشالهم أحياء ونقلوا إلى مستشفى المدينة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات