تراجع المؤسسات الدّينية سببه تدخّل الأنظمة في توجيهها

+ -

أكّد الأستاذ نور الدّين الخادمي، وزير الشّؤون الدّينية التونسي السابق، في حوار مع “الخبر”، أنّ وزارات الشّؤون الدّينية والجامعات والجمعيات تتحمّل المسؤولية الأكبر في استفراد تيار السّلفية على المساجد والشّأن الدّيني في الوطن العربي، باعتبار صلاحياتها وإمكانياتها.ما قراءتكم باستفراد تيار السّلفية على المساجد والشّأن الدّيني في الوطن العربي؟ أوّلاً السّلفية ليسوا تيارًا واحدًا، بل هم مجموعات وتيارات تتفاوت في مواقفها وخلفياتها العلمية والسّلوكية، وهو ما يُعرَف بالسّلفية العلمية والإصلاحية والحركية، وهناك ما يُعرَف بالسّلفية الجهادية والتّكفيرية.. وهناك من السّلفية مَن يُشارك في الحياة السّياسية والمدنية والبرلمانية.. وحديثنا في هذا الصّدد عن التيارات الّتي تريد أن تستأثر بالمشهد الدّيني أو الاجتماعي أو الّتي تنزع إلى التشدّد وتمارسه وتفرض آراءها ومواقفها على النّاس، فلا شكّ أنّ هذا مرفوض والأصل أن تُدار حياة النّاس بناء على الحرية والمسؤولية والتّشاور والتّطاوع في خدمة الصّالح العام، وأن تُمارس حقوق التّعبير والإصلاح والإرشاد على قواعد الحِكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالّتي هي أحسن والتّعاون على البرّ والتّقوى، وليس على أرضية الاتهامات وضدّها والتّناحر والتّنازع، والفرض والقهر. وسبب الاستفراد هو نزعة الانفراد والاستفراد في الرّأي والموقف والتوجّه، وكذلك سلبية التّراجع عن الدّور الدّيني والاجتماعي والحضاري للمسجد وللخطاب الدّيني والمؤسسة الدّينية، وترك الفراغ التّربوي والعلمي والنّفسي ليمتلئ ببدائل أخرى لا تعبّر عن الرّسالة المعتدلة لدور المسجد ولا عن السّياق الدّاخلي وحاجيات المواطنين. فالطّبيعة تأبى الفراغ كما يقولون. وأيضًا فإنّ عدم التّجديد والإحياء في الخطاب الدّيني والرّسالة المسجدية ودور العالم والخطيب والدّاعية، كلّ ذلك كان سببًا من الأسباب.ألاَ ترون أنّ التّقصير تتحمّله وزارات الشّؤون الدّينية في الوطن العربي في كيفية تعيينها لأئمة غير أكفّاء؟ الوزارات الدّينية تتحمّل المسؤولية الأكبر باعتبار صلاحياتها وإمكانياتها، والمؤسسات الأخرى كالجامعات والجمعيات والشّخصيات تتحمّل المسؤولية بدرجة ما. وعلى هذه الوزارات أو أغلبها وبعضها أن تطوّر أساليبها وتجدّد رسالتها وأن تأخذ دورها الوطني والحضاري في التّعليم الدّيني والخطاب الإسلامي والتّنشيط المسجدي وتكوين الأئمة وإعداد القيادات الدّينية وبناء المؤسسات الّتي تخرّج الأئمة والوعّاظ والمفتين والمدرّسين، وعليها أن تمارس حقّها الدستوري والقانوني، وعليها كذلك أن تُحاسب وتؤاخذ عند تقصيرها، فالوزارة الدّينية وزارة سيادية ومضمونية ورسالية، وهي ذات رسالة في البناء والتّثقيف والتّوعية، وذات رسالة في التّنمية العقلية والنّفسية والمواطنية، وذات رسالة دفاعية واحتياطية تواجه التشدّد ومقدّماته وتقاوم الفساد وأخطاره، وذات رسالة في حفظ الدّين وحماية الإنسان وفق تعاليم الإسلام ومقاصده ونصّ الدستور وروحه.وعلينا جميعًا اعتبار الأئمة الواجب اختيارهم على أسس الكفاءة العلمية والتخصّص الخطابي والأمانة والنّزاهة والفاعلية والواقعية، علينا اعتبار هؤلاء الأئمة جزءًا من النخبة الوطنية من حيث حقّهم الدستوري والوطني في قيامهم بمهمّة الإمامة في المساجد والمجتمع، ومن حيث احترامهم وتقديرهم ماديًا ومعنويًا واعتباريًا، ومن حيث منع التّحريض ضدّهم ومواجهة حالات الانتقاص من قدرهم ورسالتهم التّربوية والمجتمعية والمدنية.ألاَ ترون أنّ تفعيل الدّور التّاريخي للزّيتونة على غرار ما يقوم به الأزهر بمصر كفيل للحدّ من ظاهرة التطرّف والتشدّد؟ الحقّ أنّ هناك تراجعًا خطيرًا لدور المؤسسات الدّينية التّعليمية خلافًا لدورها التاريخي العظيم. ولهذا أسبابه، ومنها: تدخّل الأنظمة في توجيهها وتوظيفها، وضمور مسار التّجديد والإصلاح وضعف المستوى والمخرجات والتّهميش المادي والاعتباري والمؤسّسي والمالي، وغير ذلك من الأسباب الهيكلية والوظيفية الّتي تؤذن بزيادة التردّي والتّراجع، وهو ما يزيد الوضع سوءًا على مستوى الامتداد بالعلوم الشّرعية والسّنَد العلمي والتوجّه الإصلاحي والإسهام الوطني، وعلى مستوى زيادة حالات الجهل والأميّة الدّينية وضعف التخصّص واتّساع حالات الجمود والتّقليد والاجترار، وهو ما قد يفوّت حقيقة المؤسسة الدّينية الّتي تنتج الإنسان الصّالح والوطن الآمن والحضارة الإنسانية المتآخية والمتآلفة. إنّ عددًا كبيرًا من جامعاتنا في العلوم الإسلامية بالخصوص تشتدّ حاجتها حاليًا وفي المدى المنظور إلى استراتيجية شاملة وإصلاحات هيكلية وقانونية ومضمونية وإلى تشخيص دقيق قبل ذلك، وإلى تفعيل رسالتها بقوّة وكثافة وإبداع لتنهض من جديد في بناء الإنسان الإنساني والإنسان المواطني وفي تنمية الأوطان وإقامة العمران وتحريك الأذهان. إنّ ترك الوضع على ما هو عليه منذر بفوات مصالح التّوعية والبناء العلمي التّراكمي والإسهام الحضاري والعالمي. ومع ذلك فهناك جامعات وتجارب جامعية جديرة بالاعتبار والاستدعاء في التّقويم والاقتراح والتوجّه والاعتماد على صعيد التطوّر والترقّي في مجالات المضامين والمناهج والبحث والدّراسة والتّأطير والإدماج والتّشغيل والتّوظيف...وإذا أقيمت تلك الجامعات على الأمل المنشود في الإصلاح والتّطوير فسوف يكون لها الأثر الفاعل والمؤثّر في الوسط والاعتدال ومواجهة الغلو بأنواعه وأشكاله، بل سوف تمثّل رُكنًا عظيمًا ورافدًا مُهمًّا في بناء الأوطان وإصلاح الإنسان وتعمير الأذهان والأبدان والجنان بالعلوم والصحّة والإيمان.هل تعتقد أنّ استقطابكم للدّعاة والمشايخ من الخارج سيُساهم في تحسين الخطّاب الدّيني في تونس؟❊ عرفت تونس بعد الثورة دخول أعداد كبيرة من العلماء والإعلاميين والسّياسيين والسّواح وعموم الزّوار، ودخول مَن يُعرف بالدّعاة في ذلك الوقت كان بسبب ذلك وبأجواء الحرية الّتي عرفتها تونس وقتئذ، وبسبب رغبة الزّوار في التعرّف على تونس الثّورة وتونس الحضارة والزيتونة والفكر والسّياسة... وهو ما جعل الأعداد تتزايد بوضوح... وكان دخول هؤلاء في غالبه الأعم بناء على دعوات من الجمعيات والمجتمع المدني، وهو ما لا علاقة له بالوزارة أو الحكومة من الناحية القانونية والنّظامية، ومع ذلك قيل بأنّ الزّائر مرحّب به طالما أنّه ضيف يحترم البلد وأهله ويحترم القانون والأعراف والإجراءات، وأنّ أيّ مخالف لذلك يكون مسؤولاً عن مخالفته، كما أنّ طرح الأفكار ومناقشتها في حدود سلامة البلد والثّورة وعدم التّحريض على العنف والتّفريق والانقسام، فطالما أنّ الزّائر محترم لذلك وعارف بقدره وحدوده، فإنّ البلد يسعه سواء أكان زائرًا سياسيًا أم إعلاميًا أم داعية أم مفكّرًا أم ناشطًا في المجتمع المدني والمجال الحقوقي والاستثماري والتّنموي.ومع ذلك فقد كان للوزارة والحكومة ضيوف من العلماء والمفكّرين والمسؤولين والجامعيين والأئمة والخطباء والدّعاة من الغرب الإسلامي ومن الشّرق الإسلامي ومن بلاد أخرى، وقد جاؤوا في إطار ندوات علمية وزيارات تعاون وتشاور وحلقات تكوين وتدريب في موضوعات الخطاب الدّيني والإصلاح الدّيني والزّكاة والحجّ والأوقاف وفي المسابقات القرآنية والمناسبات الرّمضانية والمولدية وغير ذلك ممّا مثّل إطارًا ثريًا في تبادل الخبرات وتطوير القدرات وتعميق التّعارف والتّواصل بين المعنيين بنشاط مشترك في إطار القوانين والأنظمة والصّلاحيات الموجودة والآفاق المطروحة.  

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات