رغم أن مصر الشقيقة في أزمتها الحادة الآن تعيد ارتكاب الأخطاء نفسها التي ارتكبها الجزائريون قبل ربع قرن، إلا أن حالة مصر قد تكون أخطر من حالة الجزائر للأسباب التالية:أولا: إن الانقسام الحاد الحاصل في المجتمع المصري باصطفاف العلمانيين والليبراليين خلف العسكر في الحالة المصرية، واصطفاف الإسلاميين بمختلف مشاربهم المذهبية خلف الإخوان.. هو نفسه الذي حدث في الجزائر في التسعينيات، لكن قوة التنظيمات الإسلامية في الحالة الجزائرية لم تكن في مستوى قوة التنظيمات المصرية نفسه.. والخلاف بين العلمانيين والعسكر في الحالة الجزائرية لم يكن يسنده الشرخ الديني كالذي يوجد في مصر بين المصريين وأقلية الأقباط.. فالشرخ في مصر، زيادة على أنه اجتماعي سياسي، فهو أيضا حضاري ديني.. وهو ما كان غائبا في الحالة الجزائرية.ثانيا: الأوضاع الدولية التي حدثت فيها المأساة الجزائرية لم تكن هي نفسها الأوضاع الدولية التي تحياها مصر الآن في أزمتها، كما أن المحيط المصري يختلف عن المحيط الجزائري.. لهذا فإن يد الأجانب في الأزمة المصرية أكبر من يد الأجانب في الحالة الجزائرية.. فالجزائريون أنجزوا أزمة دموية حادة، ولكنها مغلقة، فلم يلجأ فيها إلى الخارج أي طرف من الفرقاء.. الإسلاميون يقتلون قوات الأمن والعسكر، ويقولون “طاغوت”.. والطاغوت يقتل الإسلاميين ويقول “إرهاب”، ولكن الأمر كان جزائريا محضا و100%.. كما أن الإعلام لم يكن متطورا في الحالة الجزائرية، كما هو الحال اليوم في الحالة المصرية.. بحيث أصبحت السماوات مفتوحة.ثالثا: وضع الجزائر الاقتصادي لم يكن بذلك السوء الذي عليه الوضع الاقتصادي في مصر، وبالتالي فإن الدولة في الجزائر بقيت أجهزتها قائمة (عسكرا وشرطة وإدارة).. صحيح أنها ارتبكت في البداية، لكنها استعادت توازنها بسرعة.. عكس ما هو الحال في مصر على ما يبدو من خلال ما نشاهده في قنوات الأخبار المصرية.رابعا: الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في مصر تتمتع بحساسية عالية لموضوع العنف، أكثر مما كان الحال في الجزائر، فقد كان العنف قليل التأثير على الحياة الاقتصادية (البترول والغاز) من خلال إبعاد الصحراء عن عمليات العنف.خامسا: العسكر والعلمانيون في الجزائر لم يقطعوا صلة الحوار مع “الإنقاذ” في السجن.. ولم يوظفوا القضاء في إصدار أحكام بمثل قسوة ما قامت به عدالة مصر. كما أن الذين رفعوا السلاح في وجه السلطة في الجزائر معروفون، وعكس الأمر بالنسبة للمصريين الذين لا يتبنى إخوانهم أعمال العنف، مع أن الرئيس السيسي يقول: إنهم يصدرون أوامر الإعدام من السجن!سادسا: يبدو أن قوة الإخوان داخل المؤسسة العسكرية المصرية ما تزال قوية، وقد ظهر ذلك على الرئيس السيسي وهو يعالج بارتباك تداعيات تنامي العنف في مصر هذه الأيام.سابعا: الأكيد أن الانزلاق الخطير الذي تتجه إليه مصر هذه الأيام لا يتحمّله السيسي ونظامه فقط، بل قد تتحمّله أيضا جماعة الإخوان المسلمين بدرجة كبيرة أيضا.. فالعنف يمكن أن نعرف كيف نبدأه، ولكننا لا يمكن أن نتحكم في مآلاته.. فتجربة الجزائر ما تزال ماثلة ويمكن التدبّر.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات