عدم إلهاء النّاس عن التّراويح ببرامج تلفزيونية جذّابة

+ -

دعا فضيلة الأستاذ محمّد المدني بوساق، أستاذ التّشريع الإسلامي بجامعة نايف للعلوم الأمنية بالرياض بالسعودية، في حوار مع “الخبر”، الفضائيات الخاصة والعامة إلى إعداد كلّ ما يساعد النّاس على الاستفادة من شهر الصّيام في كلّ ما يتّصل بالأحكام الشّرعية والنّصائح الصحيّة والأعمال الخيرية ويحقّق التّواصل والتّراحم والتّعاون على البرّ والتّقوى، والتّحذير ممّا يناقض مقاصد الصّوم أو يضيع على النّاس فرصة الانتفاع والاستفادة منه.كيف يمكن للمسلم استغلال هذا الشّهر الكريم في طاعة الله؟ إنّ فضل إدراك شهر رمضان عظيم وهي فرصة قد لا تعود فعلى الصّائم أن يحرص على أن يخرج منه بأعظم المَكاسب وينال فيه أكبر حظّ وأعظم نصيب، فإنّ هذا الشّهر مناسبة لتدريب النّفس على الصّبر والخروج على المألوف وتقوية الإرادة بضبط النّفس ومنعها ممّا تشتهي في العاجل طلبًا للحظّ العظيم الآجل وكلّ ذلك يؤهّل الصّائم كي يملك زمام نفسه ومن ملك زمام نفسه قادها إلى النّجاح والفلاح والفوز من أقرب طريق، فإنّ القدرة على ملكية زمام النّفس علاج لكلّ النّقائص والانحرافات، فهي أشبه بجهاز المناعة في علاج الأمراض، ولذلك فالواجب على الصّائم ألاّ يمرّ عليه وقته كسائر أيّام الشّهور الأخرى، إذ اللّحظة في رمضان تساوي الأيّام من غيره.وعليه فعلى الصّائم بعد الصّيام والقيام أن يفرغ قلبه للتفكّر في ملكوت الله والتّدبّر في كتابه والإكثار من ذِكر الله وشُكره وتطويع النّفس لإحسان التّعامل مع الغير داخل الأسرة وخارجها وبذل المعروف والصّدقات.وبالجملة فلا يدع رمضان يخرج إلاّ وقد حصل على أهم المكاسب ومنها: الخروج من غيبوبة الغفلة إلى اليقظة والفطنة، والطّهارة من ظاهر الإثم وباطنه بالتّوبة النّصوح، وجمع القلب على تعظيم الله ومحبّته والحياء منه واليقين بأنّ جميع حاجاته ومصالحه ليست عند أحد غيره، وحسن معاملة الخلق وصلة الرّحم، وترسيخ خُلق الصّبر، فإنّه ضروريّ لكلّ نجاح وترك العجز والكسل وبذل الوسع واستفراغ الجهد للفوز بحياة طيّبة في العاجل والفوز بالجنّة والنّجاة من النّار في الآخرة.ما نصيحتكم لمَن أحال رمضان من شهر للطّاعة إلى شهر للأكل والشّرب والسّهر والسّمر؟❊ أقول له خُذ نصيبك من الحلال الطيّب وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تفوّت على نفسك أفضل الفُرص وأعظم المناسبات، فإنّ فوتّها على نفسك نَدِمت يوم لا ينفع النّدم وقد تأكل أصابعك ندمًا بتفريطك، ففي الحديث قال صلّى الله عليه وسلّم: “إنّ جبريل عرض لي فقال: بَعُد مَن أدرك رمضان فلم يُغْفَر له، فقلت آمين”، وقال عليه الصّلاة والسّلام أيضًا: “وينادي فيه ملك يا باغي الخير أبْشِر ويا باغي الشّرّ أقْصِر حتّى ينقضي رمضان”، وفي رواية أخرى: “وينادي منادٍ في أوّل ليلة من رمضان يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشّرّ أقْصِر ولله عتقاء من النّار وذلك كلّ ليلة”.ولا تُعارض بين تناول الطيِّبات من الطّعام والشّراب والتّرفيه البريء مع الصّيام والقيام وتلاوة القرآن ومختلف أنواع الطّاعات ما لم تصل إلى حدّ الإسراف أو الخُيَلاء، قال عليه الصّلاة والسّلام: “كلوا واشربوا وتصَدّقوا واَلْبِسوا ما لم يُخالطها إسراف أو مخيلة”.هل تظنّ أنّ المسلم باستطاعته علاج نفسه من مساوئ الأخلاق في هذا الشّهر الفضيل؟ قال تعالى: “كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” البقرة:183، وقال صلّى الله عليه وسلّم: “الصّيام جُنّة”، ونصح صلّى الله عليه وسلّم مَن لا يقدر على الزّواج بالصّوم وقال: “فإنّه له وِجَاء”، والتّقوى في الآية وجُنّة في الحديث الأوّل ووجاء في الحديث الثاني ألفاظ تفيد الوقاية من الزِّنا وغيره من المعاصي لأنّ الصّيام يقوّي الإرادة ويضيق مجاري الشّرّ ويضعف بواعث الجريمة ودوافعها بحبسه النّفس عن الشّهوة الّتي هي الدّافع الأقوى في كلّ معصية، إذ الشّبع يطلق نهمة الجوارح ويقوّي شهوتها بينما الجوع يحدّ من شهوتها ويسكنها، لذلك قيل إنّه إذا شبع البطن جاعت الجوارح وإذا جاع البطن شبعت الجوارح.والصّائم الّذي يدع الطّعام والشّراب وهو يشتهيه لا يَمنعه من ذلك إلاّ طاعة الله بالغيب، وابتغاء مرضاته وخوفًا من عقابه وحياء من جنابه وفي ذلك دليل على حياة الضّمير وشعوره بمُراقبة الله تعالى له وعلمه بحاله وسماع كلامه ورؤية مكانه ومن كان هذا حاله مع الله فلَن يُبارِزه بالمعاصي ولن يَسلك سُبل الانحراف ولا يتورّط في فعل الجرائم. لأنّ مَن يصوم عن الحلال وهو يشتهيه فهو أجدر وأولى بالصّيام عن الحرام والإجرام، ومَن صام شهرًا في السنة عن الحلال أمكنه الصّيام عن المعاصي بقيّة عمره. ثمّ إنّ الصّيام هو مدرسة الصّبر بلا منازع لأنّه يَعوّد المرء على ترك ما يحبّ ويَشتهي مع شدّة الحاجة إلى أن يحين وقت الإذن وحبس النّفس كلّ تلك المدّة مع تكرارها يوميًا وسنويًا يحلي الشّخص بخُلق الصّبر الّذي هو شرط النّجاح في كلّ شيء وسبب النّجاة من كلّ شرّ وضرر ومكروه وخطر.والخلاصة الجامعة في أثر الصّوم في علاج النّفس من مساوئ الأخلاق، هو أنّ الصّوم يمكّن الفرد من زمام نفسه ومن ملك زمام نفسه قادها إلى النّجاح والفلاح من أقصر الطّرق وأوصلها إلى السّعادة والحياة الطيّبة في الدّنيا والخلود والنّعيم المقيم في الآخرة وأبعدها وجنّبها طريق الضّلال والفساد وظلمات الجرائم وجحيمها ومهاوي التّعاسة والخسران والهوان. أمّا مَن مَلكته نفسه فقد خاب وخسر وضاع وهلك ويصير إلى حال لا يَرضاها العاقل للحيوان وقد يفعل مَن يفقد زمام نفسه بها أشدّ ما يفعله العدوّ بعدوّه وقصص الإدمان على المُخدّرات أوضح من كلّ دليل، ومن هنا تأتي أهميّة الصّوم الّذي ينمّي القدرة على التّحكّم في الغرائز والشّهوات ويضبطها بضابط المصلحة العاجلة والآجلة للفرد فلا يأتي المرء بفعل إلاّ إذا أذن فيه الدّين والعقل وصدق مَن قال:والنّفس كالطّفل إنْ تُهْمِله شَبّ على        حبّ الرّضاع وإن تفطمه يَنفطمرمضان شهر للوحدة كيف يمكن استخدام هذا الشّهر في توحيد الأمّة؟ قال عزّ من قائل: “لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ}. توحيد القلوب شأن عظيم لا يمكن تحقيقه ببذل المال ولو تمّ دفع جميع كنوز الأرض وإنّما التّأليف والوِحدة توجد في دين الإسلام ومن وسائلها هذا الشّهر الكريم شهر رمضان الّذي تجتمع فيه وحدة الزّمان ووحدة المَشاعر والأحاسيس والتصرّفات والعادات وتحيا فيه معاني الرّحمة والإحساس بالفقراء والمساكين والمحرومين وأصحاب العاهات والمشرّدين وتنمو فيه عواطف الأخوّة والمحبّة وتزدهر فيه حقوق الجيران ورابطة الأخوّة الإسلامية الّتي تجمَع المسلمين من مختلف الأقطار والأجناس حيث يَجمعهم الإيمان بالله الواحد الأحد ورسالة النّبيّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم ووحدة القِبلة وتستنهض هممهم ويَجمع مشاعرهم ذكريات الانتصارات العظيمة الّتي حدثت في رمضان بدءًا من نزول القرآن وغزوة بدرًا الكبرى وفتح بيت المقدس إلى يومنا هذا.وفي رمضان يَجتمع الخُطباء والوعاظ على توحيد الخطاب المؤثّر في يقظة الأمّة وتذكيرها بأمجادها وإحياء ما اندرس من تاريخها وحثّها على جمع شملها وتوحيد كلمتها واستئناف دورها في بناء الحضارة والوصول إلى الحياة الطيّبة لكلّ العالم تلك الحياة الّتي لا يَظلم فيها أحد ولا يخاف فيها أحد ولا يجوع فيها أحد.ما نصيحتك للفضائيات الجزائرية الخاصة أو العمومية خلال شهر رمضان الكريم؟ لا شكّ أنّ معظم الفضائيات في الجزائر قامَت بجهد مشكور في إعداد برامج مفيدة ومناسبة ومتنوّعة وفتحت أبوابها للدّعاة من الشّباب كي يقوموا بالوعظ والإرشاد والنُّصح والردّ على استفسارات السّائلين. ومن الأهميّة بمكان أن أقدّم لإخواني أصحاب الفضائيات والمشرفين عليها النّصائح التّالية: مراعاة تحقيق مقاصد الصّيام باختيار البرامج الهادفة والنّافعة والمؤثّرة بعد التحقّق من سلامتها وخلوها من المآخذ الشّرعية. وكذلك إعداد كلّ ما يساعد النّاس على الاستفادة من شهر الصّيام في كلّ ما يتّصل بالأحكام الشّرعية والنّصائح الصحيّة والأعمال الخيرية ويحقّق التّواصل والتّراحم والتّعاون على البرّ والتّقوى، والتّحذير ممّا يناقض مقاصد الصّوم أو يضيع على النّاس فرصة الانتفاع والاستفادة منه. إضافة إلى اختيار الأوقات المناسبة لعرض البرامج الّتي تحظى بإقبال كبير من الصّائمين. مع عدم إلهاء النّاس عن صلاة القيام وذلك ببثّ برامج جذّابة للنّاس وقت أداء صلاة التّراويح، إلى جانب تنقية جميع البَرامج والمواد في شهر رمضان من المهيّجات الجنسيه وكلّ ما يخدش الحياء، والتّقليل من الهزل الممجوج والّذي يتعدّى الحدود المعقولة فإنّ كلّ ما زاد على حدِّه انقلب إلى ضدِّه.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات