{وَلاَ تَطْغَوْا.. وَلاَ تَرْكَنُوا}

38serv

+ -

 تكلّمتُ عن اللاء الأولى التي قال الحسن البصري: “جعل الله الدِّين بين لاءين: ولا تطغوا.. ولا تركنوا”.  في قوله سبحانه: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ *  وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ}. سأتكلّم عن اللاء الثانية هنا، وقد جاء فيها تحذير بالغ الشّدّة في موالاة الظّالمين والعمل لهم.والرّكون إلى الشّيء هو السُّكون إليه بالأنس والمحبّة، فاقتضى ذلك النّهي عن مجالسة الظّالمين ومؤانستهم والإنصات إليهم، وهو مثل قوله تعالى: {فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}، أي: لا تطمئنوا إلى الّذين ظلموا، إلى الجبّارين الطّغاة الظّالمين، أصحاب القوّة والسّطوة والسّلطان في الأرض، الّذين يقهرون العباد بقوّتهم ويذلونهم بجبروتهم.. لا تركنوا إليهم فإنّ ركونكم إليهم يعني إقرارهم على هذا المنكر الأكبر الّذي يُزاوِلونه، ومشاركتهم إثم ذلك المنكر الكبير؛ فتمَسَّكُمُ النَّارُ جزاء هذا الانحراف.. فلا تَميلوا إليهم أدنى ميل، وفُسّر الميل بميل القلب إليهم بالمحبّة، ويشمل النّهي حينئذ مُداهنتهم، وترك التّغيير عليهم مع القدرة، والتّزيي بزيّهم، وتعظيم ذِكرهم، ومجالستهم من غير داعٍ شرعي، وكذا القيام لهم ونحو ذلك، فتصيبكم بسبب ذلك نار جهنّم. وهذه كلمة قوية للإمام الآلوسي علّق بها على هذا التّفسير للآية؛ فقال: “وما أصعبه على النّاس اليوم -بل في غالب الأعاصير- من تفسير- ... وإذا كان حال الميل في الجملة إلى من وجد منه ظلم ما في الإفضاء إلى مساس النّاسِ النّار، فما ظنّك بمَن يميل إلى الرّاسخين في الظّلم كلَّ الميل؟!. ويتهالك على مصاحبتهم ومُنَادمتهم؟!، ويتعب قلبه وقالبه في إدخال السّرور عليهم؟!، ويستنهض الرّجل والخيل في جلب المنافع إليهم؟!، ويبتهج بالتّزيّي بزيّهم والمشاركة لهم في غيِّهم؟!. ويمدّ عينيه إلى ما متّعوا به من زهرة الدّنيا الفانية؟!، ويَغبطهم بما أُوتوا من القطوف الدّانية؟!، غافلاً عن حقيقة ذلك ذاهلاً عن منتهى ما هنالك!، وينبغي أن يعدّ مثل ذلك من الّذين ظلموا لا من الرّاكنين إليهم بناءً على ما روي أنّ رجلاً قال لسفيان: إنّي أخيط للظّلمة فهل أعدّ من أعوانهم؟، فقال له: لا أنت منهم والّذي يبيعك الإبرة من أعوانهم”.    * إمام وأستاذ الشّريعة بالمدرسة العليا للأساتذة

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات