38serv
التّبذير والإسراف كلمتان تتّفقان لغة وتختلفان استعمالاً، فهما من حيث اللغة تعنيان الإكثار من الشّيء إلى درجة هدره وتضييعه، وتعنيان أيضًا استعمال الشيء في غير محله. من جهة الاستعمال فإنّ التّبذير ارتبط بالمال، وأمّا الإسراف فارتبط بالأكل، وفي النّهاية فإنّهما يعبّران عن سلوك سيّئ مشين، محرّم من طرف الشّرع ومرفوض من طرف المجتمع.ونصوص الشّرع في هذا كثيرة، فقد جاء في القرآن الكريم قول الله سبحانه وتعالى: {وَءَاتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إنّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} (سورة الإسراء:26-27). والمعنى العام في هذه الآية العظيمة، هو أمر الإنسان أن يتصدّق بالفاضل ممّا عنده لغيره من المساكين ومنقطعي السّبيل وأهل القرابة.وسمّت هذه الآية الفعل الاجتماعي (الصدقة) حقًّا ولم تسمه تطوّعًا كما يَعتقد كثير من النّاس، كما وصفت المبذّرين بأنّهم إخوان الشّياطين، فهم يُشاركون الشّيطان في المعصية، حيث أمر بالسّجود فأبى وأمروا بأن لا يبذروا فبَذّروا، والمشابهة مــن الجهة الشّرعية مخزية لأن الشّيطان رمز الخسران، ومن الجهة الاجتماعية غاية في البشاعة لأنّه عند النّاس مثال الفساد.وجاء في السّنَّة النّبويّة الشّريفة قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “كل ما شِئتَ والْبِس ما شئتَ ما أخطاتك خصلتان سرف ومخيلة”. ففي هذا الحديث توجيه نبويّ عظيم، يدعو فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى التمتّع بما خلق الله سبحانه لعباده، ويحذّر المجتمع من سلوكين سيّئين: التّبذير والتّكبُّر، وذلك لانعكاسهما الخطير على الفرد والمجتمع.فالتّبذير يخلق هوّة مادية بين طبقات المجتمع ويقضي على مقوّمات الأمّة ومقدّراتها وخيراتها، ويغرس حبّ النّفس وعدم الإحساس بالآخرين من النّاس، ويغرس في قلوب الضّعفاء والمحتاجين البغض والحسد والكره الاجتماعي فلا يأمن بعد ذلك أحد على ماله ولا عرضه ولا أهله، ففي المجتمع بطون جائعة لا تقنعها آية ولا حديث، ولكن تشبعها لقمة من محسن أدرك خطر الإسراف. وفي المجتمع أجساد عارية لا تكسوها موعظة ولا إرشاد.ومن أعظم مظاهر التّبذير في مجتمعاتنا العربية خاصة، تبذير الوقت، فالرّجل يمضي السّاعات الطّوال نائمًا أو ساهرًا في مقهى أو لاهيًا في ملهى، والمرأة لا تملّ من المسلسلات والأفلام، ولا تكلّ من الهراء والكلام، فإذا أنهت مع اليمنى ابتدرتها اليُسرى. وهكذا اللّيل والنّهار، والمجتمع يئِنّ وينهار.فهل استحضر النّاس في زماننا هذا الخطر وهم يرمون أطنانًا من الخبز في المزابل، أم هل أدركوا هذا وهم يقتلون أنفسهم عندما يدّعون أنّهم يقتلون الوقت.أمين المجلس العلمي بمديرية الشؤون الدّينية والأوقاف بعنابة
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات