+ -

لم يكن تحقيق الثراء حلما بعيد المنال بالنسبة للشاب “ب. سمير”، حيث أوهم مئات المواطنين من طالبي السكن بأنه يملك تعاونية عقارية تقف وراءها جهات رسمية سامية في الجيش، فجنى من ذلك الملايير بمشاركة أشخاص ينشطون تحت لواء ما عرف بالمنظمة الجزائرية لحماية السلم. عاش الشاب سمير ببلدية عزازڤة في ولاية تيزي وزو حياة صعبة، خاصة بعد وفاة والده الفلاح، فكان عليه ترك مقاعد الدراسة مبكرا لمساعدة والدته في مصاريف إخوته الأربعة.دخل سمير عالم الشغل وعمره لا يتجاوز 16 سنة، حيث عمل بإحدى مخابز البلدية مقابل بضعة دنانير لم تكن تغطي احتياجات الأسرة، ثم تحول للعمل في ورشات البناء لأكثر من 10 سنوات عله يظفر براتب مقبول يغطي تكاليف عائلته.لكن هذا الشاب الطموح كان يحلم ومنذ صغره بأن يصبح غنيا، ففكر بجد في تحويل هذا الحلم إلى حقيقة باتخاذ أول خطوة بسفره إلى الجزائر العاصمة سنة 2008 والعمل كبناء “ماصو” في ثكنة عسكرية ببن عكنون، ليجد نفسه يعيش وسط عالم يتصف بـ”البريستيج” والمزايا.انبهر سمير بالحياة الجديدة بعد فترة قصيرة، وتأثر بحياة العسكريين، خاصة الضباط السامين، لتراوده فكرة انتحال هوية عقيد مخابرات بثكنة بن عكنون بعد أن تعرف على المدعو “أ. عبد القادر” وأربعة أشخاص آخرين كانوا ينشطون منذ سنة 2002 تحت لواء المنظمة الجزائرية لحماية السلم على مستوى 38 ولاية عبر الوطن، بهدف دعم المصالحة الوطنية وإقناع المواطنين بعدم الانخراط في الجماعات الإرهابية المسلحة.اقترب أصحاب المنظمة الجزائرية لحماية السلم من العقيد المزيف، وتوطدت العلاقة بين الطرفين، ليفكروا في تأسيس تعاونية عقارية وهمية، اصطادوا بها عددا هائلا من الزبائن قدموا مبالغ مالية للحصول على سكنات تقع بمنطقة براقي في الجزائر العاصمة، التي تبين بعد التحقيق بأنه لا وجود لها على أرض الواقع.والمثير في القضية أن العقيد المزيف عرف كيف يستحوذ على عقول الزبائن، عندما أوهمهم بأن التعاونية العقارية تقف وراءها شخصيات سامية في الجيش.ومواصلة لخطتهم ولجني الكثير من المال، لعب أصحاب التعاونية العقارية الوهمية على وتر إقناع صاحب تعاونية عقارية أخرى، تسمى “البر والإحسان” الكائن مقرها بمنطقة بوروبة بالعاصمة، تنشط منذ سنة 2002، لاستغلال اعتمادها، من أجل الإيقاع بالمزيد من الراغبين في الحصول على سكنات لائقة.وفعلا، كان صيد العقيد المزيف وجماعته وفيرا، حيث تهافت العديد من طالبي السكن ودفعوا مبالغ مالية على دفعات بلغت 460 مليون سنتيم، على أن يسددوا الشطر الأخير المقدر بـ3 ملايين سنتيم عند استلام مفاتيح سكناتهم.سقوط العقيد المزيف وجماعتهوبما أن سنّة الحياة تقتضي بأن لكل بداية نهاية، كانت نهاية العقيد وجماعته إثر شكوى حركها ضدهم ضحايا التعاونية العقارية في الثامن جوان 2008، إثر تقرير أودعه مسيّر المنظمة الجزائرية لحماية السلم، الذي وجد نفسه هو الآخر متابعا بتهمة التسيير غير الشرعي لمنظمة سرية.وحمل صاحب التقرير المسؤولية للعقيد المزيف، مؤكدا على إيداعه ملفا للحصول على الاعتماد، حيث تلقى ردا شفويا من قبل الجهات المعنية، مفاده الانطلاق في العمل بعد مرور 60 يوما على إيداع الملف في حال عدم الرد كتابيا على الطلب.وذكر المتهم أن منتحل صفة عقيد بالأمن العسكري بثكنة بن عكنون، اقترب منه عارضا عليه فكرة الاشتراك كعضو في التعاونية الوهمية، ليكتشف فيما بعد أنه احتال على الكثير من الحالمين بمسكن لائق.كثفت الشرطة من تحقيقاتها نظرا لحساسية الجريمة، مستندة لما جاء في التقرير، لتوجه أصابع الاتهام منذ البداية إلى البناء الذي أوقف في طريقه إلى مسقط رأسه ببلدية عزازڤة، حيث عثرت بحوزته على بطاقة مهنية مزوّرة باسم عقيد مزيف في الجيش، كانت دليلا لطي ملف القضية، بوضع المتهم الرئيسي وشركائه في السجن. المتهم الرئيسي: “تأثرت بحياة أصحاب الكاسكيطة” مثل العقيد المزيف في أكتوبر 2008 أمام منصة مجلس قضاء الجزائر، بعد استئنافه الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية للحراش، والقاضي بحبسه ثلاث سنوات نافذة، حيث نفى المتهم جميع الأفعال الموجهة إليه، والمتعلقة بتكوين جماعة أشرار والنصب والاحتيال، مؤكدا أنه تأثر بحياة “أصحاب الكاسكيطة” منذ التحاقه بالثكنة العسكرية لبن عكنون، حيث عمل كبناء لمدة ثلاث سنوات.اتجهت أنظار الحضور بقاعة الجلسات نحو المتهم، متعطشين لما سيدلي به من تصريحات لإقناع القاضي ببراءته. هذا الأخير وجد نفسه أمام متهم مراوغ وصعب، يتقن جيدا التلاعب بالكلمات.سأل القاضي المتهم: أنت اليوم متابع بجرم النصب والاحتيال وتكوين جماعة أشرار، ما ردك؟ رد العقيد المزيف: أنا الضحية الوحيدة في هذه القضية سيدي القاضي، فقد تذوقت مرارة الفقر بعد وفاة والدي، طرقت جميع الأبواب للخروج من هذه الحال، لكن دون جدوى؟ يقاطعه رئيس الجلسة: فنصبت على مئات الضحايا بتأسيس تعاونية عقارية وهمية؟ لا سيدي القاضي، كنت عضوا في هذه التعاونية التي أودعت بها ملفا للحصول على مسكن، يجيب المتهم، ليواصل القاضي مستفسرا عن هوية مسير التعاونية، وهو السؤال الذي لم يجد له إجابة.أما بخصوص علاقته برئيس المنظمة الجزائرية لحماية السلم، فصرح المتهم بأن أحد أصدقائه عرفه عليه، حيث أقنعه بالانضمام إلى المنظمة الداعمة للمصالحة الوطنية، قبل أن يعرض عليه فكرة تأسيس تعاونية عقارية أصبح عضوا فيها، لكنه سرعان ما اكتشف أنها كانت تبيع الوهم للمواطنين، فالسكنات لا وجود لها على أرض الواقع رغم تسديد أصحابها الشطر الأول من المبلغ الإجمالي، والذين استيقظوا على حقيقة صادمة.رئيس المنظمة الجزائرية لحماية السلم: “أودعت ملفا للحصول على الاعتماد” نفى رئيس المنظمة الجزائرية لحماية السلم، المدعو “أ. عبد القادر” جميع التهم المنسوبة إليه، مصرحا بأنه أودع ملفا للحصول على الاعتماد، حيث تلقى ردا شفويا من قبل الجهات المعنية التي وعدته بممارسة نشاطه الجمعوي بعد مرور60 يوما من إيداع الملف، في حال عدم الرد كتابيا على الطلب.وذكر المتهم أن منتحل صفة عقيد بالأمن العسكري ببن عكنون، اقترب منه عارضا عليه فكرة الاشتراك في التعاونية الوهمية، بالتواطؤ مع أمين المنظمة الجزائرية لحماية السلم للجزائر العاصمة، المدعو “ح.ع”، قبل أن يقنعه بأن التعاونية مدعمة من جنرال وقبطان بالبحرية وعقيد بالأمن.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات