{وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ..}

+ -

 جاء هذا التّحذير القرآني في سياق كلام الله عزّ وجلّ عن تغيير القِبلة من الاتّجاه من بيت المقدس إلى بيت الله الحرام، وما صاحب ذلك من لغط المشركين وأهل الكتاب، قال سبحانه: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ}. ومعنى الآية كما قال علماؤنا: ومهما تأت يا محمّد (عليه الصلاة والسّلام) اليهود وغيرهم ممّن آتيناهم الكتاب قبلاً من آيات متعدّدة متكاثرة، بيّنة واضحة، ما اتّبعوك في دينك ولا قِبلتك؛ لأنّ تكذيبهم تكذيب جحود وإنكار مع علمهم بأنّه الحقّ من ربّهم، فلا تزيله البراهين مهما قويت ولا الحجج مهما وضحت، وهذا تأييس من إيمانهم.وما أنت بتابع قبلتهم لأنّك على الحقّ وهدًى من ربّك، ولن تعود إلى قبلتهم أبدًا؛ ذلك أنّهم أشاعوا بأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لو ثبت على قِبلتهم، لكانوا يرجون أنّه النّبيّ المنتظر ولاتّبعوه. وهذا تنزيه للنّبيّ والمؤمنين. وهم مع اتّفاقهم على مخالفتك، مختلفون في باطلهم؛ ذلك أنّ اليهود تستقبل بيت المقدس، والنّصارى تستقبل مطلع الشّمس، ولَن يتّبع أيُّ منهم قبلة غيره! وهذا تأنيس للنّبيّ والمؤمنين.ثمّ جاء التّحذير للمسلمين من اتّباع سبيل أهل الكتاب، يقول سيّد طنطاوي رحمه الله: “وجاء هذا التّحذير في شخص النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال تعالى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ}، أي: لئن اتّبعت يا محمّد (عليه الصلاة والسّلام) قبلتهم على سبيل الفرض، والتّقدير من بعد وضوح البرهان وإعلامي إيّاك بإقامتهم على الباطل، إنّك إذا لمِن الظّالمين لأنفسهم، المخالفين لأمري.فالآية الكريمة: وعيد وتحذير للأمّة الإسلامية من اتّباع آراء اليهود المنبعثة عن الهوى والشّهوة، وسيق الوَعيد والتّحذير في صورة الخطاب للرّسول صلّى الله عليه وسلّم الّذي لا يتوقّع منه أن يتّبع أهواء أهل الكتاب، تأكيدًا للوعيد والتّحذير، فكأنّه يقول: “لو اتّبع أهواءهم أفضل الخليقة، وأعلاهم منزلة عندي، لجازيته مجازاة الظّالمين، وأحقّ بهذه المجازاة وأولى مَن كانوا دونه في الفضل وعلو المنزلة إن اتّبعوا أهواء المبطلين”. *إمام وأستاذ الشريعة بالمدرسة العليا للأساتذة

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات