في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، كانت شعوب وحكومات الوطن العربي تناضل من أجل تصفية الاستعمار من أراضينا، كانت حكومات “الدولة الوطنية” تملأ الآفاق العربية بالتحرر والوحدة العربية.. كان الإسلام هو الآخر ركيزة أساسية في مسيرة التحرر والوحدة.كنا في الجزائر نسمع محاضرات في ملتقيات الفكر الإسلامي تقول: “بالإسلام قاومنا وبه تحررنا”! ثورتنا أسمت المقاتل “مجاهدا”، وجريدة “الرأي” “جريدة المجاهد”.. وأسمينا العملية الثورية التحريرية “جهادا”! والقتلى في سبيل الوطن وتحرره أسميناهم “مجاهدين”! كانت الوطنية مرادفة للإسلام، وكان الإسلام هو الوطن.اليوم لم نعد كعرب نناضل من أجل الوحدة العربية.. بل أصبحنا نناضل من أجل أن لا تقسّم بلداننا.. العراق أصبح عمليا ثلاث دول، وسوريا في الطريق لأن تصبح دولتين.. واليمن صار دولتين، والسودان أصبح دولتين.. وليبيا.. ومصر والجزائر ولبنان والسعودية، هي الأخرى بلدان يهددها التقسيم.لم نعد نحتفل بجلاء القواعد العسكرية عن بلداننا كما كان الحال في الخمسينيات والستينيات.. الجلاء الفرنسي عن بن زرت في تونس، والجلاء عن قاعدة (هويس) في ليبيا من طرف الإنجليز، والجلاء عن مصر والجلاء الفرنسي من المرسى الكبير في الجزائر.. لم يعد هذا الآن عملا وطنيا.. كما كان في جلاء بريطانيا عن الخليج سنة 1972، بل أصبح الاحتمال بفتح قاعدة العديد في قطر عملا وطنيا، وإعطاء قواعد لأمريكا وفرنسا في الإمارات والبحرين والظهران.. والسعي إلى إعطاء قاعدة لأمريكا في شمال إفريقيا في سياق أفريكوم تتنافس عليه دول المنطقة !لم تعد قاعدة أمريكا في القنيطرة معرة مغربية كما كانت في الماضي، ولم يعد عيبا تحليق الطائرات الفرنسية في الأجواء الجزائرية لضرب مالي، حتى تركيا قيدت نشاط القواعد الأمريكية في أراضيها، وهي عضو في الحلف الأطلسي.. وإسرائيل جزء من الترسانة الأمريكية، ولكنها لا تسمح بقيام قواعد عسكرية فوق أراضيها كما يفعل العرب.. أما إيران، فقد تحوّلت إلى قوة إقليمية يتعاون ضدها العرب مع أعدائهم لضربها، بما في ذلك إسرائيل.داعش والقاعدة يخرجها الأمريكان من صلب العرب، كما يخرج الله الحي من الميت.. والهدف هو ضرب العرب بالعرب وبإسلام العرب وفي بلدان العرب.. ومع ذلك مازلنا نتحدث عن وجود جامعة عربية وأمة عربية ووطن عربي، وحتى حكومات عربية، وشعوب عربية.نحن نزرع الدم ونحصد الهم في بلداننا، في انتظار تقسيم المقسم وتفتيت المفتت باسم الإسلام وباسم العروبة وباسم الوطنية.. ونحن في الحقيقة من هذه القيم براء، إنني فعلا تعبان.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات