“يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ...”

+ -

إنّ أهمية تذكّر هذا التحذير القرآني تزداد وتتعاظم في زمننا هذا الذي غلّفت فيه المادية واقعنا وحياتنا ونفوسنا وقلوبنا، فغفل كثير من النّاس عن عداوة الشّيطان، بل كذّب كثير من النّاس بالغيبيات ومنها الشّيطان وعداوته الأبدية لبني آدم، فجاءت هذه الآية الكريمة مذكّرة محذّرة: “يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ”.وأوّل ما نلحظ في الآية هو ابتداؤها بهذا النّداء: “يا بني آدم” وقد تكرّر خمس مرّات في القرآن الكريم، أربع في سياق واحد في سورة الأعراف، وهذه الآية واحدة من الأربع، ومرّة في سورة يس: “أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ”، وهي كذلك في التّحذير من الشّيطان والتّذكير بعداوته لبني آدم، وفي هذا الابتداء تذكير بموقف الشّيطان مع أبينا آدم عليه السّلام حينما حسده ثمّ توعّده وتوعّدنا -نحن بني آدم- بالإغواء والإضلال، أيّ تكرروا عداوته لأبيكم حتّى تحذروا عداوته وتزيينه وإضلاله.يقول شيخنا العلاّمة أحمد سحنون رحمه الله تعليقًا على هذه الآية: “فأيّ تحذير من إغواء الشّيطان كهذا التّحذير؟، وأيّ إثارة لعوامل الغيرة والحميّة في نفس الإنسان كهذه الإثارة؟، وإلاّ فأيّ عداوة أشدّ من عداوة مَن سعى في نفي أبويك من الفردوس الخالد وإخراجهما عاريين إلى دُنيا الكد والكدح وتحصيل القوت والكساء فيها بالجهد والنّصب؟، وهل يريد بك خيرًا مَن أراد بأبويك شرًّا؟، هل ينصحك من غشّ أبويك؟ وأقوى وسيلة للشّيطان في إغواء الإنسان أن يزيّن له القبيح من الأفعال والتروك كما قال تعالى: “وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ”.ولحرص الشّيطان على إشاعة الشّر في كلّ مكان، يقصد بإغوائه المراكز الرّئيسية في المجتمع البشري كالحكّام والقادة ورجال العِلم والأدب، فإفساد الواحد من هؤلاء إفساد لمجتمع كامل، فيزيّن الظّلم والاستبداد للحكّام والأمراء، ويزيّن الكبر والغرور للقادة والعلماء، ويزيّن المروق والفسوق للفنانين والأدباء، كلّ ذلك ليفسد الحياة الدّينية والأخلاقية في المجتمع، بإفساد المراكز الرئيسية في المجتمع”.

*إمام وأستاذ الشّريعة بالمدرسة العليا للأساتذة

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات