38serv

+ -

إذا كان وقت النوم الطبيعي الذي ينصح به علماء الطب يقدر بـ7 ساعات ليلا، فإن المواطن في الجنوب تفرض عليه درجة حرارة الصيف مضافا إليها شهر رمضان، فترة راحة إجبارية خلال النهار مقدرة بـ7 ساعات سجنا في المنزل، في مشهد يشبه “حظر تجول”، وبل وتفرض عليه برنامجا لتقليص قضاء حاجياته المنزلية إلى فترة لا تتجاوز 3 ساعات. تلتصق كل الصفات الغريبة بمن يضبط في الفترة ما بين منتصف النهار إلى السادسة مساء في الولايات الجنوبية، بين متهم بالجنون وبـ”صاحب حياة نكدية” وغيرها من الصفات، على اعتبار أن لا مبرر للخروج في هذا الوقت إلا لمن اضطرتهم الظروف كسائقي سيارات الأجرة والنقل الجماعي وأصحاب المطاعم.ليلهم يتحول إلى نهارففي ولاية بشار فرض هذا الواقع حالة من الازدحام “غير المعهود” تشهده الأسواق، في ظل اضطرار المواطنين للتسوق في الفترة الصباحية، وهي فرصة سانحة لقضاء الحاجيات اليومية وسط أجواء مناسبة، إذ أنه وفق رزنامة برنامج العمل التي حددتها مديرية الوظيف العمومي التي تحدد نهاية العمل عند الساعة الثالثة ظهرا، وهو وقت الذروة في درجة الحرارة بولاية بشار، فضلا على كونه وقت القيلولة المفضل لخلود الكثير منهم إلى الراحة، فإن هذه الاعتبارات أوجدت حالة من “التمرد” على بقاء الموظفين بمكاتبهم والعمال بمناصب عملهم، حيث تعرف بعض الإدارات حالة “فرار جماعي” إلى الأسواق.وانطلاقا من مشاعر الحسرة، فإن ما فرضته الطبيعة من “حظر تجول” يتقاطع مع انعدام مركز ترفيه في ولاية تعد مساحتها ضعف مساحة المملكة الأردنية، وهو الواقع الذي أجبر عددا من العائلات على قضاء أوقات الفراغ وعطلة نهاية الأسبوع والعطلة السنوية بالمنطقة بين ما يوصف بـ”ثلاثي الموت” وهي البيوت، المقاهي والسوق، باستثناء ميسوري الحال الذين سمحت لهم الظروف بمغادرة المنطقة مبكرا، قاصدين ولايات الشرق أو الشمال لقضاء هذه الفترة في أجواء مريحة.وفي ظل هذه الوضعية، فإن العديد من العائلات وجدت نفسها ملزمة بالخروج ليلا إلى الشوارع والساحات العمومية، حيث بمجرد أن يرخي الليل سدوله تسارع هذه العائلات أو الأصدقاء إلى حجز مكان في الهواء الطلق، وقضاء جلسات سمر سيدها الشاي.هجرة جماعية إلى الشمالولا يختلف الأمر في الوادي، إذ يمنّي الصائمون في هذه المناطق التي ترتفع فيها درجة الحرارة إلى 50 درجة مئوية أحيانا تحت الظل، بأن يعوضهم الله تعالى عن صبرهم بالمغفرة والثواب. أما مئات العائلات، خاصة الميسورة، فلا تستطيع الصبر وقضاء أيامها الرمضانية في الجنوب، حيث تفضل الهروب إلى الولايات الشمالية خاصة المناطق الساحلية، حيث يخيمون هناك أو يؤجرون مساكن، قبل أن يعودوا إلى بيوتهم بحلول عيد الفطر المبارك.ويبدأ اليوم الرمضاني باكرا في منطقة الوادي مثل باقي مناطق الجنوب، لكنه يوم قصير بالنسبة للنشاط والحركة، حيث تنتهي الفترة الصباحية في حدود الساعة العاشرة صباحا أو الساعة الحادية عشرة كأقصى حد، لأنه لا يمكن لأي صائم أن يقاوم حرارة منتصف النهار وما بعد الظهر. وخلال الفترة الصباحية القصيرة، يقضي الصائمون مصالحهم بسرعة مثل شراء المستلزمات الغذائية لمائدة الإفطار والقيام بالزيارات، أو ممارسة أعمالهم إذا كانوا تابعين للخواص، في حين يحبس الموظفون أنفسهم داخل مكاتبهم الإدارية المكيفة إلى غاية انتهاء فترة العمل.ومهما كان الحال، فإن جميع الصائمين تقريبا يلجأون إلى قضاء القيلولة لاسترداد أنفاسهم واستعادة قواهم المنهكة، سواء في البيوت المكيفة بالنسبة لسكان المدن والمناطق الحضرية، أو حتى في أماكن العمل، حيث يستغل الكثير من الموظفين فترة القيلولة ليضعوا رؤوسهم على مكاتبهم ويناموا قليلا أو يتمددوا أرضا فوق بعض الكرتون في زوايا إداراتهم ومكاتبهم.أما بالنسبة للبدو الرحل، فليس أمامهم من مهرب إلا الاحتماء داخل الخيم البسيطة أو الزرائب المصنوعة من جريد النخيل، وهم لا يعتمدون لتلطيف الحرارة إلا على رش بعض لباسهم بالماء أو استعمال “المنشة” وهي مروحة تقليدية صغيرة مصنوعة من سعف النخل، يحركها الصائم البدوي بيده يمينا ويسارا أمام وجهه للحصول على موجة هواء باردة، قبل أن يخطفه النعاس للحظات قصيرة.أما الفترة المسائية للنشاط فتبدأ مع وقت العصر، حيث يلتقي الصائمون مباشرة بعد الصلاة جماعات جماعات، لممارسة بعض الهوايات مثل لعبة “الخربڤة” أو “الدومينو والكارطة”.وفي هذه الأثناء، يكون الأطفال الذين يصومون لأول مرة قد بلغ منهم الصيام مبلغا شديدا، فنجد الآباء أو الأمهات في امتحان صعب، حيث يضعون فلذات أكبادهم تحت المراقبة المباشرة ويلازمونهم حتى لا يفطروا ويشجعونهم على الصبر وطلب الأجر وبأنهم صاروا رجالا كبارا ويعدونهم بالهدايا القيمة بعد الإفطار. وما إن يرفع الأذان ويلتف الصائمون حول مائدة الإفطار، حتى تدب الحياة من جديد في الشوارع، وتعلن نهاية حظر التجول.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات