كثير من الجزائريين يثورون من شدّة الغضب لأتفه الأسباب، خاصة في شهر رمضان الّذي يعلّقون عليه وزر هذا السّلوك المشين ولا يعلمون أنّ للأخير أثرا سلبيا على صحّة الشّخص لما يصيبه من أمراض مزمنة، كما يكون سببًا في تدهور علاقة أفراد المجتمع فيما بينهم نتيجة الخصومات الّتي تقع بسبب الغضب. من فضل الله تعالى علينا في تشريع الأحكام وفرض الفرائض أنّه يريد بذلك تهذيب النّفوس وتنقيتها من الشّوائب وكلّ ما يجعلها بعيدة عن الرّسالة الّتي من أجلها خلق الانسان الّذي جعله الله خليفة في الأرض.فالصّوم يكون صاحبه في عبادة مدّتها شهرا كاملا، حيث يمسك في النّهار ويقوم باللّيل، إلى درجة أنّه يكون على اتّصال مباشر مع العبادة الرّبّانية، ممّا يثنيه عن القيام بالسّلوكات المنافية لهذه العبادة، خاصة الغضب الّذي يعتبر رذيلة خلقية، إذا تمكّنت من نفوس البشر فإنّها تؤدّي إلى نتائج سلبية على تماسك المجتمع وأيضا تمزيق العلاقات الاجتماعية بين الأفراد وبالتّالي تكثر العداوات والنّزاعات وهي صفات مذمومة في الدّين ولها عواقب وخيمة على المجتمع. لهذا فرض الله صوم شهر كامل من كلّ عام، وهو بمثابة مدرسة ربّانية تعود مرّة في السنة لتربية الإنسان وتدريبه على فضائل الأخلاق من التحمُّل وسعة الصّدر والإحساس بالفقير وتعزيز روابط الأسرة والتّواصل بين الجيران وأبناء الأمّة على العموم. وقد كان الصوم أهم وسيلة للتحكم في الغضب والنرفزة الّتي يتميّز بها بعض الصّائمين الّذين لا يجدون حرجًا في تحميل الصّوم سبب غضبهم، لكن ذلك افتراء ومجرّد شمّاعة يلجأ إليها الإنسان المهزوم لتبرير سلوكاته المنافية للأخلاق، ومَن انتصر على الغضب وتحكّم في نفسه فقد رسم طريقه إلى الجنّة “لاَ تغضب ولك الجنّة”.ومن القصص الّتي رويت عن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أن جاءه يومًا شخص فقال له: أوصني. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “لا تغضب” وردّدها مرارًا “لا تغضب” رواه البخاري. لهذا، فإن الإنسان حين يغضب يفقد السّيطرة على نفسه، ما يدفعه إلى التعدّي على حرية الآخرين، سواء جسديًا أو معنويًا بفعل تلفّظه كلاما فاحشا، ما يجعله يخسر الثّواب وأجر الصّيام ويذهب عنه احترام النّاس.ويظنّ كثير من النّاس أنّ الصّيام هو مجرّد الامتناع عن الأكل والشّرب، غير أنّ الغاية من الصّيام هي التحكّم في النّفس والسّمو بها والإحساس بغبن الآخرين، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “رُبَّ صائم ليس له من صيامه إلاّ الجوع” رواه النّسائي وغيره.وتشير الأبحاث العلمية إلى أنّ الغضب الّذي نهانا ديننا عنه ضار لصحّة الإنسان ووبال على المجتمع، كما أنّ الصّيام جاء ليغرس في نفوس الصّائمين التّقوى مصداقًا لقوله تعالى {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. ووصف الله المتّقين في كتابه المجيد بالقول {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحِسٍنٍينَ} آل عمران:134. ومن هنا، فإنّ الصّيام المقبول هو الّذي يحفظ صاحبه من الوُقوع في الإثم وهو درع يحميه من ظلم النّاس في الدّنيا، فالإنسان حين يكون غاضبا لا يحكم بالعدل بين النّاس ولا بين حتى أبنائه، وكم من إنسان غاضب هدّم بيته بعد أن طلّق زوجته وشرّد أبناءه وفقد منصب عمله وقتل نفسًا بغير حقّ، ولهذا جعل الإسلام العفو عند الغضب من صفات المتّقين، قال تعالى: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} الشُّورى.*إمام مسجد الشهيد دهنانوأمين المجلس العلمي بالشلف
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات