”إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ”

+ -

 إنّ التّبذير بلاء عمَّ فطمَّ، وهو مفسدة لحياة الأفراد كما هو مفسدة لحياة المجتمعات، فالشّخص الّذي يتّصف به يخسر الكثير في دنياه وأخراه، كما أنّ المجتمع الّذي يستشري فيه يخسر الكثير من منافعه ومصالحه؛ ولهذا جاء النّهي عنه في القرآن الكريم مقرونًا بالتّحذير الشّديد، فقال سبحانه وتعالى: {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا، إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} الإسراء:26-27.والتّبذير هو وضع المال في غير موضعه الّذي يحقّق المصلحة الّتي شرعها الله تعالى. مأخوذ من تفريق البذر وإلقائه في الأرض كيفما اتّفق من غير اهتمام بموقعه، ثمّ استعير لتضييع المال في غير وجوهه. ومعنى كون المبذّر أخًا للشّيطان: أنّ الشّيطان يعمل وأعماله كلّها في ضلال؛ فقد ضيّع أعماله في الباطل، وقد كان يمكنه أن يجعلها في الخير. والمبذّر يضيّع أمواله في الباطل، وقد كان يمكنه أن يجعلها في الخير. والشّيطان كفر نعمة ربّه عليه وكذا المبذّر كفر نعمة المال من ربّه ووضعه فيما يسخطه ولم يشكره؛ فكان المبذّرون إخوان الشّياطين مؤاخاة مماثلة في الوصف ومتابعة في الضّلال، ومشاكلة في الكُفران والعصيان.يقول الإمام العلامة الطّاهر بن عاشور رحمه الله: ”وهذا تحذير من التّبذير، فإنّ التّبذير إذا فعله المرء اعتاده؛ فأدمن عليه فصار له خلقًا لا يفارقه شأن الأخلاق الذميمة أن يسهل تعلقها بالنّفوس كما ورد في الحديث: ”إنّ المرء لا يزال يكذب حتّى يكتب عند الله كذّابا”، فإذا بذّر المرء لم يلبث أن يصير من المبذّرين، أي المعروفين بهذا الوصف، والمبذّرون إخوان الشّياطين، فليحذر المرء من عمل هو من شأن إخوان الشّياطين، وليحذر أن ينقلب من إخوان الشّياطين.. ثمّ أكّد التّحذير بجملة {وَكَانَ الشّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا}. وهذا تحذيرٌ شديد من أن يفضي التّبذير بصاحبه إلى الكفر تدريجًا بسبب التّخلّق بالطّبائع الشّيطانية.. أو أنّ التّبذير هو صرف المال في غير ما أمر الله به فهو كفرٌ لنِعمة الله بالمال. فالتّخلّق به يفضي إلى التّخلّق والاعتياد لكُفران النّعم”.*إمام وأستاذ الشريعة بالمدرسة العليا للأساتذة

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات