{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّه يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ}

38serv

+ -

 إنّ اللّه سبحانه لا يحذّر الإنسان من شيء إلاّ إذا كان ممّا يغضبه سبحانه. وقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّه يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} نهاية التّحذير من الوقوع فيما نهى اللّه عنه، ذلك أنّ اللّه توعّد عباده على ما يقع في ضمائرهم، وأرشدهم إلى إضمار الخير دون الشرّ؛ لأنّ الآية تفيد إحاطة علم اللّه تعالى بكلّ شيء؛ وهو تنبيه على أنّه تعالى لمّا كان عالمًا بالسّرّ والعلانية، وجب الحذر في كلّ ما يفعله الإنسان في سرّه وعلانيته، فيتفرّع على هذا: وجوب أن لا يضمر الإنسان في نفسه ما لا يرضاه اللّه عزّ وجلّ.وهذا التّهديد والتّحذير جاء في سياق آيات تتكلّم على أحكام الطّلاق؛ فابْتُدِئَ الْخِطَابُ بِقوله: {وَاعْلَمُوا} لقطع هَواجِسِ التَّساهل والتَّأوّلِ، في هذا الشَّأنِ، لِيَأْتِيَ النَّاس ما شرعَ اللّه لَهم عن صفاء سَرِيرَةٍ من كلِّ دخل وحيلة، قال الإمام محمّد عبده: “هذا التّحذير راجع للأحكام الّتي تقدّمت.. جاء على أسلوب القرآن وسُنّته في قرن الأحكام بالموعظة ترغيبًا وترهيبًا، تأكيدًا للمحافظة عليها والالتفات إليها”.يقول سيّد: “{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّه يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ}.. وهنا يربط بين التّشريع وخشية اللّه المطلع على السّرائر. فللّهواجس المستكنة وللمشاعر المكنونة هنا قيمتها في العلاقات بين رجل وامرأة. تلك العلاقات الشّديدة الحساسية، العالقة بالقلوب، الغائرة في الضمائر. وخشية اللّه، والحذر ممّا يحيك في الصّدور أن يطّلع عليه اللّه هي الضّمانة الأخيرة، مع التّشريع، لتنفيذ التّشريع. فإذا هزّ الضّمير البشري هزّة الخوف والحذر، فصحَا وارتعش رعشة التّقوى والتحرّج، عاد فسكب فيه الطّمأنينة للّه، والثّقة بعفو اللّه، وحلمه وغفرانه: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّه غَفُورٌ حَلِيمٌ}.. غفور يغفر خطيئة القلب الشّاعر باللّه، الحذَر من مكنونات القلوب. حليم لا يُعجّل بالعقوبة فلعلّ عبده الخاطئ أن يتوب”.وهكذا القرآن الكريم يحذّر غاية التّحذير ثمّ يفتح باب الأمل، فاللّه لم يؤيس عباده من رحمته، ولم يقنطهم من عائدته، فذكر بعد الوعيد الوعد، فقال بعد هذا التّحذير: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّه غَفُورٌ حَلِيمٌ}.*إمام وأستاذ الشّريعة بالمدرسة العليا للأساتذة

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات