+ -

شهر رمضان من الأزمنة الّتي لها عند المسلمين مكانةٌ عظيمةٌ، وهذه المكانة ليست مجرّد شجون وأحاسيس، بل هي مكانةٌ ترتبط بها القلوب والأبدان والأقوال والأفعال، لما تجده النّفوس من بهجةٍ وفرحةٍ واطمئنان، وحبّ للخيرات وفعل للطّاعات، وتهيُؤٍ عظيم في القلوب، ولين في الأبدان، واستعداد لفعل الخيرات وترك المنكرات، وهو زمنُ تعاون النّاس على كثير من البرّ والإحسان، ولا شكّ أنّ هذا يَشعر به كلّ مسلم وإن ضعف إيمانه أو قسَا قلبه. إذا كان للشّهر الكريم فضائله ومحاسنه، فإنّ للصّيام مدرسته وتربيته، ينبغي أن تُفقه كما تُفقه أحكامه وشرائعه، فمن معاني الصّوم أنّه ثمرة للإيمان الحقّ واليقين الصّادق بالله جلّ وعلا، فالصّوم عبادة الإخلاص؛ فإنّ امتناع العبد عن المفطرات على الرّغم من استطاعته الوصول إليها خُفيَةً دليل على استشعاره اليقيني لاطّلاع الله تعالى على سرائره وخفاياه، وترقّب لكرم الله وعطاياه، وفي ذلك بلا ريب تربية لقوّة الإيمان بالله جلّ وعلا وتنمية للتّقوى، وزيادة في الخشية، وهذا هو مقصود الصّيام وغايته: {يَا أيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.وإذا كان الصّوم حرمانا مشروعا وتأديبا بالجوع، فهو تدريب للخشوع لله والخضوع، فإذا وفّقك الله أيّها المسلم لشهود رمضان، وأمدّ في عمرك، وزادك من فضله بأن متّعك بالصحّة والعافية حتّى تصوم الشّهر، فليصُم سمعُك، وليَصم بصَرك وجوارحُك، وليُصم قَلبك عن المحرّماتِ، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “الصّومُ جُنّة ما لم يخرِقها” رواه النسائي. وقال رسول الله عليه الصّلاة والسّلام: “مَن لم يدَع قول الزُّورِ والعمَلَ به فليسَ لله حاجةٌ في أن يدعَ طعامَه وشرابَه” رواه البخاري. واستقبال رمضان لا يكون بالتّهيُؤ النّفسي والبدني فحسب، بل يكون بالتّهيُؤ الاجتماعي أيضًا، وذلك بنشر فوائد رمضان ومعانيه، وغاياته ومقاصده، بين الأقارب والأحباب، حتّى تجتمع الأهداف، وتتوحّد الآمال من هذا الشّهر، ومن أهم الفئات الّتي ينبغي علينا تهيئتهم لهذا الموسم أطفالنا المقبلون على صيام الشّهر أو بعض الأيّام لأوّل مرّة، فنغرس فيهم حقيقة هذا الشّهر، وحقيقة ما فيه من العبادات والأعمال، ودروسه الّتي ينبغي أن تمثّلها.وإنّ خير ما يُستقبل به شهر رمضان أن يُعرف فضله وأن يُعلى قدره، وعلامة ذلك أن نُحسن الإعداد ونبرع في الاستعداد، فنُصحّح النيّة ونُخلصها لله عزّ وجلّ، وأن نصدُق في نيل الفضائل وإحراز المكارم، ونعزم بجِد على إقامة الواجبات، والإتيان بالسنن والمستحبات، وأن نشهد الصّلوات جماعة في غير ملل، ونحرص على التّراويح من غير كلل، فبعض النّاس يلتزم الفطر على تمرات ولا يُبالي أن يفوته قيام ليلة، وبعضهم يحرص على سُنّة السّحور ولا يهتم لفريضة الفجر، كما أنّ المساهمة في الأنشطة الجماعية والأعمال الخيرة من أهم أعمال رمضان، فلنكن عونا لإخواننا العاملين في سدّ حاجة الفقراء والمساكين.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات