لايزال اسم البطل الشهيد بن عوف نعيمي مغيبا في التاريخ الرسمي، بعد مرور 56 سنة على استشهاده، وكأن تضحياته لا تستحق أن تخلد في التاريخ بإطلاق اسمه على مؤسسة من مؤسسات دولة الاستقلال التي سقاها بدمائه الطاهرة.وُلد بن عوف نعيمي في 1921، بقرية “ويزران” بعرش “آث عباس” ببجاية، دون تاريخ ميلاد محدد، ومات شهيدا بلا تاريخ وفاة وبلا قبر، لكنه في جنة الخلود. قاد أكبر عملية عسكرية خلال الثورة في 4 فيفري 1958 ضد حصن “الحوران” بحمام الضلعة في المسيلة كمسؤول عسكري، وفي فيفري 1959 استشهد تحت قصف الطيران الفرنسي بكودية أزمرين كقائد للناحية الأولى من المنطقة الثانية الولاية الثالثة.كان مولده “الثوري” ذات صبيحة من يوم جمعة 11 نوفمبر 1955 بقرية ويزران بمنطقة البيبان، استيقظ فيها السكان على أصوات المسبلين “العسكر..”. كانت الوديان والتلال مغشاة بالضباب، عندما هرولت مجموعة من المجاهدين لمغادرة القرية. انقسمت الكوكبة إلى مجموعتين، وتشابكت إحداهن مع الجنود الفرنسيين للسماح لرفاقهم بالخروج من الحصار. سقط ثلاثة شهداء، أمر الضابط الفرنسي شباب القرية بإحضار جثث الشهداء، لكنهم فروا ظنا منهم أن الفرنسيين سيقومون بقتلهم انتقاما منهم، وحصدت أرواح شابين في مقتبل العمر وجرح ثالث توفي بعد شهرين بالمستشفى في أقبو. وكان بن عوف نعيمي من بين الذين فروا باتجاه الغابة رفقة شباب آخرين. يروي سكان القرية ممن عايشوا الحدث، بأن العناية الإلهية “البركة” أنقذته من الموت، بعد تسلقه فوق شجرة كبيرة، ليتوارى عن أنظار الجنود الفرنسيين، لكن مجندا فرنسيا من السينغال لمحه وأشار إليه بملازمة مكانه وصاح مخاطبا رفاقه “لا شيء من هنا”. كانت هذه الحادثة إيذانا بميلاد ثانٍ للشهيد “سي نعيمي” الذي التحق برفاقه المجاهدين، ونشط في ناحية البيبان، قبل أن ينتقل إلى منطقة الحضنة وحمام الضلعة في الناحية الأولى من المنطقة الثانية من الولاية الثالثة، التي كانت منطقة تماس بين الولايات الرابعة، السادسة، الخامسة والأولى، واجه فيها المجاهدون الجيش الفرنسي وقوات “بلونيس” الذي تمركز في المنطقة هروبا من مناطق حيزر وعرش أث يعلى. شارك بن عوف نعيمي في كل الاشتباكات، ما أهله ليكون نائبا للذين تناوبوا على قيادة الناحية من النقيب عراب، عبد القادر عزيل “البريكي” ورابح بلجرو “الثايري”، قبل أن يستلم قيادة الناحية قبل استشهاده في فيفري 1959 برتبة ملازم أول. يروي سعيد سعيود المدعو “لوشكيس”، في مذكراته، وهو كان ضمن المقتحمين لحصن “الحوران”، بأن فرنسا استعلمت جنديا جزائريا في الجيش الفرنسي، التحق بالمجاهدين لاغتيال قائد الناحية بن عوف نعيمي، انتقاما منه بعد عملية مهاجمة حصن “الحوران” في 4 فيفري 1958 الثورية، التي أحجمت كل الصحافة الفرنسية عن تناولها، لأنها شكلت صفعة قوية لفرنسا وعملية دعائية لصالح الثورة. قرر العقيد عميروش أن يتم تنفيذ العملية من طرف كتيبة الناحية بقيادة المرشح بن عوف نعيمي، نائب الناحية المكلف بوضع الكمائن وتوزيع المهام المقسمة على ثلاثة أفواج، أحدها بقيادة بن عوف إبراهيم ابن عم “سي نعيمي”، وفوج آخر بقيادة محمد وعلي أوخالد وفوج ثالث بقيادة بلقاسم شرفاوي. كما دعم العقيد عميروش العملية بفيلق الولاية بقيادة محمد أورابح، مهمته حماية المهاجمين بعد انتهاء العملية. أسفر الهجوم بالتنسيق مع زرنوح محمد من ولاية الجلفة، الذي كان جنديا ضمن الجيش الفرنسي، داخل الحصن العسكري، وكان على اتصال مع قيادة الناحية منذ مدة طويلة، على قتل 12 فرنسيا ووقوع 18 أسيرا من بينهم الملازم الأول أوليفيي ديبوس الذي قرر العقيد عميروش إعدامه للثأر من قتل الملازم الأول صالحي حسين، بعد رفض فرنسا تبادل الأسرى. كما قام المجاهدون بحرق 7 دبابات وعربتين مجنزرتين و«سيارة جيب” وشاحنة، كما غنموا 4 مدافع “هاون” من مختلف العيارات، 9 مدافع رشاشة أمريكية وفرنسية الصنع، أجهزة اتصال سلكية ولا سلكية، 25 بندقية نصف آلية و20 أخرى من نوع “ماط”، 18 مسدسا نصف آلي، كانت محملة على ظهر 63 بغلا، وصلت لمركز قيادة الولاية الثالثة بجبل أكفادو في 6 فيفري 1958 بعد عدة اشتباكات مع العدو الفرنسي الذي جند كل قواته للعثور على الأسرى، وهي العملية التي اعتبرها عميروش “فخر لكل الولاية لقد قمتم بعمل عظيم”.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات