الخلاف الفقهي في ثبوت الصّيام أو الإفطار

+ -

 يعتقد بعض النّاس أنّ بداية شهر رمضان ونهايته منوطة (أي متعلّقة) بميلاد الهلال، ولذلك ينبغي أن يتّفق الجميع على هذه البداية والنّهاية بما أنّ ميلاده معروف أو محسوب بدقّة، ويقع مرّة واحدة كلّ شهر قمري أو دورة قمرية. إنّ الحقيقة أنّها منوطة برؤية الهلال من على سطح الأرض الّتي لا تتحقّق في جميع أجزاء الأرض مرّة واحدة بعد ميلاده، ومَن فاتته رؤية الهلال عند غروب شمس يومه لوقوعه في الجزء الّذي لا يُرى منه الهلال يفوته يوم كامل، فاختلاف إمكانية رؤية الهلال من مكان إلى مكان حقيقة كونية بما أنّ الأرض تدور على نفسها وعلى الشّمس/ محدثة فروقًا زمنية كبيرة خاصة بين ما تباعد من أقطار، فيمكن أن يكون يوم الجمعة أو جزء كبير منه في الجزائر هو يوم سبت أو خميس في أستراليا، والخلاف الفقهي لا يتعلّق بهذا كما يعتقد البعض فيهوّلون الأمر من غير طائل.رؤية الهلال بين الشّرق والغربقد تكون رؤية الهلال في غرب البلاد دليلاً على إمكانية رؤيته في شرقها إذا كانت المسافة معتبرة البُعد في ذلك مثل ما بين الجزائر والسعودية، لكن العكس لا يكون دليلاً على ذلك، تبعًا لغروب الشّمس تباعًا من الشّرق إلى الغرب ابتداء من مكّة المكرمة، مع العلم أنّ رؤية الهلال بالعين المجرّدة لا تكون إلاّ عند غروب الشّمس وللحظات معدودة فقط.الخلاف الفقهي في ثبوت الصّيام أو الإفطاريبدأ الخلاف الفقهي في مسألة ثبوت الصّيام أو الإفطار من التّسليم بإمكانية اختلاف رؤية الهلال، وأنّ احتمال الاشتراك في رؤية واحدة يتضاءَل كلّما تباعدت الأماكن طولاً (أي حسب خطوط طول الكرة الأرضية، بالاتجاه غربًا أو شرقًا لا جنوبًا أو شمالاً)، ولذلك فإنّ الإجماع منعقد بين الفقهاء على أنّ الأماكن المتباعدة جدًّا لا بدّ أن تكون مطالعها مختلفة وحكم صيامها أو إفطارها مختلف، لكن الخلاف حول الأماكن المتوسطة البعد أو القريبة في هل يسري حكم مَن رأى الهلال من المسلمين على مَن لم يره أو يستحيل أن يراه إعمالاً لقاعدة ما قارب الشّيء أخذ حكمه؟ أم ينبغي التقيُّد بتحقّق الرّؤية فيلزم فقط مسلمي الجهة الّتي تمكّنَت من الرّؤية؟وهذا الخلاف قد يرفعه الإمام أو الدولة لأنّ الإمام إذا أخذ برأي اجتهادي معتبر مختلف فيه لزم العمل به ولو لم يكن مذهبًا للنّاس في تلك المنطقة.رؤية الهلال ووحدة المسلمينوأسباب الفرقة بين المسلمين وغياب وحدتهم لا يعود إلى الخلاف الفقهي المبني على العلم والاجتهاد المعتبر، وإنّما يعود إلى الأهواء وضعف الإرادة والأمراض المتراكمة الأخرى، ومهما يكن تشخيص هذه الأسباب واختلافنا فيها فإنّ الاختلاف في رؤية الهلال ليس مظهرًا من مظاهر الفرقة ولا دليلاً عليها ولا إزالته طريقا إلى الوحدة كما يتوهّم البعض، وكان بالإمكان التّعامل معه بكل بساطة كتعاملنا مع اختلاف مواقيت الصّلاة الّذي يتبع تتابع اللّيل والنّهار، فاستشكال مسألة الرُّؤية ينمّ عن جهل بطبيعتها. ولنا أن ننظر إلى اختلاف الرُّؤية -تقريبًا للمعنى- كوضعية مقود السيارة المختلف بين بريطانيا ومن معها وفرنسا ومن معها مثلاً، فإنّه لم يفسد للوُد قضية ولا يحتاج أمر وحدتهم إلى إزالة هذا الاختلاف.*أستاذ محاضر بكليّة العلوم الإسلامية جامعة الجزائر 1

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات