تبدو الصورة العامة التي يقوم بعض رجال النظام بتلوينها هذه الأيام، كما لو أنها سريالية، تنتمي لمدرسة العبث التي يغطس الطلاء فرشاته في سطل الألوان، ويرش القماش على أساس أنه فن تشكيلي مبتكر. اللوحة في نظرتها العامة عبارة عن بساط أحمر وفرقة من الحرس الجمهوري ونشيد ”واي واي” وكرسي لتتويج بوتفليقة في عصر ما بعد بوتفليقة!.. هذا هو السيناريو، يعني أن يبقى الوضع على ما هو عليه، بالفساد المتفشي، والفشل المسيطر، وإدارة الظهر للشعب، وتهميش المعارضة، والتنكيل بكل صوت مستقل... وفي نفس الوقت شراء ما يسمى السلم الاجتماعي بأموال الثائرين على وضعهم البائس.. ”من لحيتو بخرلو”، كما يقول المثل الشعبي.الذين لم يفهموا السيناريو بدأوا في حملة انتخابية مبكرة لأخ الرئيس الذي يتحكم منذ عشر سنوات في دواليب الحكم بيد من عسكر وملفات فاسدة، والحقيقة أن من يخلف بوتفليقة ليس مهمّا أن يكون هو أو شخص آخر، المهم أن يبقى النظام على ما هو عليه، ويبقى المستفيدون من الريع همّ ومسيّرو أزماتنا همّ، ومزورو الانتخابات همّ... والباقي غير مهم أن يكون فلان أو علان، ما دام منهم، ولديهم عليه ملفات فاسدة، ويقوم بمهماته القذرة بفرح وتفاخر... جانب العبث في اللوحة هو أن الجميع يعرفون، وأقصد الشعب الجزائري، بما يحاك ضد إرادته وحرياته، ولكن فلاسفة الفن التشكيلي يظنون أنهم يستغبون الناس بابتكار مدرسة في التلاعب بعواطف الناس، وتمييع مطالبهم وانشغالاتهم، وتلهيتهم بفتافيت الحكايات اليومية، عن إلحاد رشيد بوجدرة، أو اختراع بلحمر لدواء يشفي من السرطان... وإذا كان جمهور ”الفايسبوك” متحمس لمثل هذه التلهيات، فإن هذا الجمهور ليس هو الذي يذهب إلى صناديق الاقتراع، ولا الذي يفكر في واقعه البائس، لأنه صنع بديلا له هو الواقع الافتراضي، الذي لا يؤثر في الواقع الحقيقي، مثل مشكلة البطالة، التي يعاني منها ويعوضها بتشغيل نفسه على لوحة الكومبيوتر، وهو نوع من تشغيل الشباب، كما اخترعه المغفور له مولود حمروش.. القضية الأساسية في هذا العبث أن الجيش الجمهوري تحالف مع جهاز سياسي لإعادة الجزائر إلى ما قبل أكتوبر 88، يعني إلى ما قبل وجع الرأس بالديمقراطية والحريات، وما إلى ذلك، كي تبقى العصمة في يد الجيش، يعيّن من يشاء ويكفّر من يشاء، وهذا هو الجانب الخطير في العبث، فمنذ الاستقلال، وهذا الجيش الذي يسمى مجازا الجيش الوطني الشعبي، يتحكم في مفاصل الدولة، ويستقدم رجالا للحكم يفسدون فيه، ويجعلون أعزة أهله أذلة، وكذلك يفعلون بنا منذ فتحنا أعيننا على الحياة، ومع ذلك لم يستوعبوا الدرس، درس الحياة، وهو أن التطور الطبيعي، ونظرية الارتقاء تخضع للأصلح، وليس للأقوى، والدليل أن التخلف الذي تعاني منه الجزائر حتى أصبحت تقارن بدويلات إفريقية، سببه أن السيطرة لا تزال للأقوى وليس للأصلح. كل ما نتمناه، وحفاظا على ما يسمونه السلم الاجتماعي، أن يلتقي بعض من بقيت فيهم حكمة في هذه السلطة، وينظروا للجزائر بواقعية، ولا ينخرطوا في ذلك الواقع الافتراضي، الذي لا يعرف ولا يحل المعضلات المتفاقمة للشعب الجزائري، وأن يتركوا أكتوبر وراءهم كي لا يصطدموا به أمامهم .
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات