إن الأحداث اليومية، أي الإنسانية التي تصلنا يوميا على الجهة السياسية تلعب دورا أساسيا في ضمير البشر أراد أم كره، لأن الكثير من الناس ينظرون إلى السياسة كعنصر جانبي وهامشي لا تهمهم وإنما تهم كبار القوم و”المتفلسفين” وأصحاب المال والجاه.كذلك ينظر عادة إلى السياسة بطريقة إما دينية وإما تطيّرية (قضية قضاء وقدر) إما تشعوذية. وذلك أن هؤلاء الناس (وهم يكونون الأغلبية الساحقة على مستوى البشرية الضخمة والمتضخمة) يرون (أو يشعرون؟) أن الأحداث التاريخية لا علاقة لها بنسق معين وأنها توجد معزولة عن بعضها البعض. فالعامة ترفض فكرة السياسة ككتلة كلية تندمج فيها كل العناصر المكوّنة فتحوّل إلى نسق من العلاقات والصلات.. لذا فإن هذه الشعوب (أو الخلق) تعرقل بدون وعي وعن جهل فكرة التاريخ والسياسة (البوليتيك بالعامية وبالمعنى السلبي فتأتي المقولة الشعبية المتداولة: ”أنا خاطيني البوليتيكǃ”) كنسق متكاتل، في صراع وصدام مع كل نزعة عكسية، أي كل نزعة ترى السياسة علاوة عن أجزاء وعوامل متفرقة لا ربط بينها، أي كعناصر معزولة (وربانية أحيانا، يريدها الخالق كما شاء وكما أراد) أو أنها تنظر إلى الكلية التي تشكل كل جزء منها كمجموعة من الوحدات المتجانسة أو كتجميع لوحدات منغلقة على ذواتها.وكانت هذه الفكرة سائدة في المنطقة العربية الإسلامية في عصرها الذهبي، عند المؤرخين الذين كانوا يسجلون الأحداث والحروب والانتصارات والهزائم حسب إرادة الخلفاء والملوك والأمراء، ما عدا الإدريسي وبن خلدونǃ فمثلا عندما غزا المسلمون الأندلس سنة 711، كتب المؤرخون أن هذا الحدث الضخم ”نزل عليهم فتحا مبينا” ويقول ابن خلدون العكس تماما لأنه يحلّل ويفسّر فتح الأندلس بعلمانية رهيبة ودقّة فائقة ونزاهة خالصة، فلخّص في ”مقدمته” كل العناصر المتناسقة التي جعلت المسلمين ينجحون في فتح الأندلس نجاحا باهرا وذلك لأنهم (حسب ابن خلدون دائما) سطروا استراتيجية رهيبة ومدقّقة استغلت كل العوامل العسكرية والإنسانية وحتى النفسية والحميمية منها، لذا انتصر (طارق بن زياد) وهو قائد لجيش لا يفوق 3000مقاتل مسلم على جيوش رودريك ”الفيزيڤوتي” الذي كان يقود جيشا عرمرما يحتوي على 40.000 مقاتل، وذلك في أيام قلائل وبسرعة البرق.وكأننا اليوم في حاجة إلى ابن خلدون جديد ليربط بين العوامل المختلفة والتي تظهر متباينة ”لتنسيق” التاريخ العربي الآني والذي يبرهن من خلال انهزاماته الكثيرة والمفجعة، أن السياسة خطة تنسيقية يبرمج لها مبكرا وقبل الأوان من طرف الدول التي لها مؤسسات فعالة ونشيطة، تعرف أولا وقبل كل شيء قراءة الأحداث قبل أوانها، ولا تعوّل على قراءة التاريخ بقراءة ”الفنجان”.ولأن أغلبية الجماهير القاطنة في البلدان المتخلّفة ليس لها ثقافة سياسية وأنها تكرهها (لأن الساسة في هذه البلدان قتلوا روح المبادرة عند الناس)، لذا فهي لا تفهم أن تخريب العالم الإسلامي قد خطط له منذ قرابة القرن في ورشات الـ CIA وأن تدمير تدمر كان مبرمجا (وكذلك سرقة التحف العراقية أثناء غزة 2002 وغزوة 2009) من طرف العسكر الأمريكيين). كذلك قد برمج دور العربية السعودية ودويلاتها الخليجية حتى تصبح هذه المملكة تتهم الجزائر بمساندة الإرهاب الإسلامويǃǃ لذا فإن السياسة –في الحقيقة- ما هي إلا قضية برنامجية.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات