38serv

+ -

الكثير فسّر رسالة ”التهنئة” لنائب وزير الدفاع وقائد أركان الجيش الوطني لعمار سعداني بأنها موقف سياسي، وهذا لا يبدو وصفا دقيقا. فالرسالة تندرج ضمن فعل سلطوي إرادي. لماذا؟ يمكن أن نرى ذلك خاصة في:أولا: الفعل السياسي والفاعل السياسي كان وما زال واحدا، إنها السلطة، النظام، الحكم. إنه تحرك سياسي متكامل. رأيناه في الانتخابات التشريعية لسنة 2012، حيث منحت لحزب الجبهة وليس جبهة التحرير الوطني، ولم تعد هناك علاقة تذكر بين الاثنين غير الاستغلال السياسوي الرديء للإيحاءات التاريخية في تسمية هذا الحزب، قلت منحت لهذا الحزب نتائج خيالية لم يصدقها حتى ناس هذا الجهاز السلطوي. ثم الانتخابات المحلية، ثم العهدة الرابعة، ثم ”الإنزال” الذي تم على جهاز الجبهة من قبل سعداني وعصبة الكليبتوقراطية، ثم أخيرا منحه السند السياسي الكامل من قبل الرئيس ومن قبل قائد الأركان. ثانيا: الجبهة وضعت مباشرة تحت ”تصرف” الرئيس أو من يتصرف باسمه وتمجيدها تمجيد للحكم القائم. ثالثا: عدد هام من الوزراء أدرجوا في قائمة اللجنة المركزية لحزب السلطة، كما أدرج عدد من مسؤولي مؤسسات عمومية كبيرة. واعتبر الوزير الأول مناضلا جبهويا أصيلا، وهذا بعد أن وصفه سعداني في تصريح سابق له بـ ”السياسي السيئ”.رابعا: عودة أحمد أويحيى إلى قيادة ”التجمع” وخاصة اقتراحه تشكيل تحالف حزبي لدعم برنامج الرئيس، وسيتكون التحالف من التجمع والجبهة والحركة الشعبية لبن يونس وتاج لغول. خامسا: تحريك تنسيقية لجان مساندة الرئيس مرة أخرى. ماذا تغيّر عما كانت عليه الأوضاع؟ لا شيء يذكر. ربما الجديد أن في خلفية هذا التحالف الحزبي هناك عصبة تجارية مالية، صارت لاعبا، يقدر البعض، أن دوره يزداد قوة بشكل مضطرد، بل صار له القدرة على التعيين في المناصب العليا الحكومية والاقتصادية المالية. وقد صار الخطاب الرسمي يردد رسميا ”لا فرق بين الخاص والعام”، والأمر واضح، أنه لم يعد يقتصر على المجال التجاري الاستثماري، بل وصل إلى ”الدولة”. لهذا ولغيره ”رسالة التهنئة” فعل سلطوي ينضح بتوجه صار واضحا في إتمام تنظيم تحالف سياسي مصلحي، يجعل حزب الجبهة وغيره من تشكيلات السلطة، ذراعا سياسية ويجعل العصبة الكليبتوقراطية، وخاصة المهيمنين على التجارة الموازية والمال الفاسد، السند الأساسي للحكم القائم، والفاعل الأوحد الموجه ضد الكل. ينبغي أن نتفق نهائيا على أن هذا التحالف، أتم السطو على ”شرف التاريخ”، ممثلا في الرصيد النضالي التحرري لجبهة التحرير التاريخية، وهو احتكر السلطة والثروة، وجعلها شرعية (!!) كافية ويعمل على ضمان استدامة هذا الاحتكار وهذه الهيمنة. وما الذي تعمل السلطة بهذا على ”تحضيره!”؟ واضح في غالب الظن أن هذا التحالف ينظم قواه ويستعد للمواجهة - مع الرئيس بوتفليقة أو من دونه - وليس لأي توجه سياسي آخر وأقل من ذلك إلى بناء توافق وطني جديد. نعم يميل التقدير اليوم إلى أن هذا التحالف يعتبر نفسه قادرا على مواجهة كل الرافضين له، ويستعد لذلك، وهو يعمل على حماية العصبة المهيمنة على الحكم، وعلى الثروة من أي محاولة للتغيير، وهو لا يعترف أن هناك أزمة، وأن البلاد في حاجة لنظام آخر، بل يعتبر نفسه النظام الآخر، لأنه انتزع السلطة من الجيش ومن المخابرات، كما يوحي! لا ينبغي أن نغرق في فنجان مكسور. السلطة هي هي لم تتغير، مهما تغيرت بعض تفاصيل الوضع والمشهد، قد نلاحظ أن سلوكها وإدارتها أصيبت برداءة قاتلة، وأنها غرقت في مستنقع الفساد الآسن، ولكن منطقها ما زال هو نفسه. الاحتكار الهيمنة والأحادية، كانت وما زالت هي طبيعة النظام. لهذا لا بد أن تنتهي كل الأوهام. معلوم أن لهذا التحالف امتداد خارجي صار واضحا بشكل لا غبار عليه، ويعتبره سندا أساسيا يُغنيه عن أي ”شرعية شعبية”، كما يرى أنه ليس في البلاد قوة سياسية اجتماعية، يمكن أن تدخل مجال التدافع معه، فالخارج والريع النفطي والهيمنة والاحتكار الكامل للسلطة وجل أدواتها والثروة وأدوات توزيعها وتقاسمها، تعدّ سند الحكم أما الشعب فهو ”غاشي” شيء من فتات الريع يكفي لإسكاته. وما زال لديه ”بقية فتات ريع” قد تغطي عليه حتى 2019. إن الأمر خطير جدا. فهل ما زال هناك ما يوقف ومن يوقف هذا المسار المخيف؟ قد يكون ولكن لا أثر له لحد الآن، لا في المؤسسات ولا في الأحزاب في الشارع.

[email protected]

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات