بعد يومين سيأتي حزب جديد إلى الحياة اسمه طلائع الحريات؛ إن هذا الحزب هو من صنع مواطنات ومواطنين أرادوا القول لشعبنا إنهم في خدمته إن شاء؛ كما أنه رسالة أيضا من هؤلاء المواطنات والمواطنين لإقناع الأمة بأن التأخيرات والإخفاقات التي ابتليت بها ليست حتمية، وبأن طريق التقدم موجود ومشروع التجديد متوفر.لقد أنشئت طلائع الحريات للمساهمة في وضع حد لدوامة الانتكاسات التي غذاها النظام السياسي القائم طيلة عشرية كاملة كانت عشرية الفرص الذهبية التي ضيعها على البلد الواحدة تلو الأخرى.لقد تم إنشاء طلائع الحريات أيضا لتوجيه البلد نحو مسلك آخر: مسلك الحداثة الديمقراطية والتجديد الاقتصادي والإصلاحات الاجتماعية التي يشعر كل واحد منا بضرورتها الملحة.وجاءت طلائع الحريات إلى الوجود أخيرا بالحجة والبرهان لتؤكد بأن البديل السياسي قائم، وأن هذا الحزب يضع تحت تصرف الجزائريات والجزائريين مشروعا سياسيا واقعيا قابلا للتحقيق، ويمكن بواسطته بعث استفاقة المواطنة وتحقيق التقويم الوطني.أعرف بأن الكثير من مواطناتنا ومواطنينا قد سحبوا ثقتهم من السياسي ومن السياسة منذ أمد بعيد. هذا الوضع ليس بالعجيب أو الغريب؛ فهو النتيجة المنطقية لحكامة سعت بطريقة ممنهجة إلى إفقاد الثقة في السياسي وإفراغ السياسة من كل أسباب وجودها. إن المواطنة المهانة والإرادة الشعبية المُتجاهَلة لهما ثمن نراه يُدفع اليوم أمام أنظارنا، وهو المتمثل في فقدان الحكام للمصداقية والثقة والشرعية. إنها الفاتورة السياسية الثقيلة التي تسددها في هذه الساعات السلطات العمومية القائمة. إن الديمقراطية واحترام مقاييسها المعروفة عالميا ليس ببذخ أو كماليات؛ بل لهما أهمية قصوى في بناء الدول الحديثة ودوام الأمم القديمة كأمتنا.إن المواطنة الكاملة والمؤكدة، تمنح للأمة إسمنت وحدتها. فالأمة تتكون انطلاقا من هويتها غير المشكوك أو المطعون فيها ودون خوف على انسجامها ودون أخطار على وحدتها، ما دامت مجموعة المواطنات والمواطنين الذين يكوِّنونها يلتقون في نفس الجذور الضاربة في عمق التاريخ، ويبنون نفس الحاضر ويتطلعون إلى نفس المستقبل. من هذا المنطلق، لنسأل أنفسنا: هل يمكن أن نلتقي في نفس الجذور الضاربة في عمق التاريخ وفي نفس المسار التاريخي إذا افتقدت الأمة جزءا مهما من هويتها ومن ذاكرتها؟ وهل يمكن في هذا الوضع التطلع إلى بناء أمة في الوقت الذي تُبنى فيه تحت أنظارنا “جزائران” هما: جزائر المواطنة العليا وجزائر المواطنة الدنيا؟ وأخيرا كيف يمكن أن نتطلع إلى نفس المستقبل في وقت يعمد فيه البعض إلى إدامة الوضع الراهن في نظام سياسي يضمن لهم الامتيازات والملذات، بينما يريد البعض الآخر أن تحل محل ذات النظام جزائر الديمقراطية التي يحلمون بها؟أعرف أيضا بأن الكثير من مواطناتنا ومواطنينا مقتنعون بأنه قد تم الاستحواذ على الدولة الوطنية، وبأن هذه الدولة لم تعد في خدمتهم بل في خدمة مجموعات التأثير والضغط والمصالح. توجد الآن “جزائران” في جزائر واحدة، أعني بهذا جزائر تسير بوتيرتين مختلفتين. ماذا يمكن استنتاجه غير هذا عندما نعاين التعايش في البلد الواحد بين مواطنة من الدرجة الأولى ومواطنة من الدرجة الثانية، أي مواطنة راقية وأخرى في الحضيض؟ ماذا نستنتج غير هذا عندما نلاحظ بأن أقلية تعيش خارج القانون وأن أغلبية محرومة من التمتع الطبيعي بحرياتها ومن ممارسة أبسط حقوقها؟ وماذا نستنتج غير هذا عندما نلاحظ وجود عدالة بسرعتين وبوجود متقاضين فوق العادة يفلتون من صرامة القانون، ومتقاضين تحت العادة يتعرضون دوما لأقصى عقوباتها وحتى لأقصى تجاوزاتها؟ وماذا نستنتج غير هذا عندما نلاحظ أنه حتى للاستجابة للمطالب الأكثر حيوية، كالصحة والتعليم والشغل والسكن، هناك أيضا جزائر المزودين بغير حق وجزائر المحرومين بغير حق؟ وماذا نستنتج غير هذا عندما نلاحظ بأن الهفوات تعاقب بكل قسوة بينما يستفيد النهب الموسع للملك العام التعاطف والتلاطف واللاعقاب؟أعرف من جهة أخرى بأن الكثير من مواطناتنا ومواطنينا لهم شعور قوي بأن المؤسسات لا تمثلهم وبأن تطلعاتها ليست تطلعاتهم. إنهم يعلمون بأن الكثير من المنتخبين على مستوى المجالس الشعبية البلدية أو المجالس الشعبية الولائية لا يتبوَّءون مناصبهم بفضل اختيار المواطنين، وأن الكثير من النواب في البرلمان لا يتواجدون في هذه الهيئة إلا بفضل مصادرة الإرادة الشعبية. إنهم يعلمون بأن الحكومة لا تحكم باسمهم، ويعلمون أخيرا بأن من يتربع أعلى هرم الدولة ليس في مكانه بفضل اختيارهم الحر له.أعرف أخيرا بأن الكثير من مواطناتنا ومواطنينا على قناعة تامة بأنه لو كانت لهم الكلمة لكان البلد بين أيدٍ أمينة، أيدي النساء والرجال الذين يعتبرون بأن السياسة، قبل أن تكون أهلية أو طموحا، هي أخلاق وقيم، أريد أن أقول: أخلاق المسؤولية وتصور عال للخدمة العمومية والصالح العام.لو كان السياسي من هذه الطينة، ولو ساد هذا التصور للسياسة لما آلت أوضاع الوطن إلى ما آلت إليه: دولة وطنية هشة، مؤسسات شاغرة وتائهة، أمة دون قائد ودون اتجاه ودون بوصلة، مجتمع دون نسيج ودون معالم وشعب متروك لأمره.أُسأل باستمرار عن علة وجود طلائع الحريات، وجوابي على هذا السؤال كان ولا يزال بأن حزبنا لا يدعي امتلاك عصا سحرية ولا أنه يتوجه إلى شعبنا بوصفة عجيبة هو وحده من يملكها. إن بلدنا لا يحتاج للعصا السحرية ولا للوصفة العجيبة للخروج من المأزق الذي قيد إليه. إن وضعيته ليست رائعة كما يدعي البعض ولا جد بائسة كما يريد البعض الآخر إقناعنا به. إن الأمر يتطلب فقط إعادة تنظيم جذري وجاد للشأن الوطني: هنا مكمن التحدي، وهنا موطن الرهان.لا يمكن أن يتحقق أي شيء سليم أو دائم دون إعادة الاعتبار للمواطنة ودون احترام السيادة الشعبية الحقة، فإذا أصر على مواصلة تجاهل هذه الحقيقة الأولى فإن نظامنا السياسي سيبقى سجين مواقفه البالية، وبالتالي سيواصل تعطيله لولوج بلدنا لعصرها.بإعادة الاعتبار للمواطنة وبالاسترشاد بحكم الشعب السيد تُبنى دولة القانون والمؤسسات الشرعية والممثلة، والحكامة الرشيدة والإدارة العمومية الناجعة في خدمة المواطنات والمواطنين. إن الشرعية والطابع التمثيلي والمصداقية والثقة هي الكلمات المفتاحية للنظام السياسي الوطني الجديد والمنشود. وكنتيجة طبيعية لذلك فإن المسؤولية والرقابة والمحاسبة يتوجب عليها أن تكون هي السمات المميزة وغير القابلة للطعن لذات النظام. في هذا يكمن أساسا رهان عصرنة نظامنا السياسي.إن العصرنة السياسية للبلد هي الطريق الوحيد لتجدده الاقتصادي وللإصلاحات الاجتماعية التي يجب القيام بها لإعادة حيويته لمجتمعنا، وإعادة التوازنات التي اندثرت في وسطه، ولتجنيده حول مشروع سياسي جديد، ولإقناعه بواقعية الطموحات الكبرى والمستحقة بالنسبة لبلدنا وإحياء الرغبة فيه للسير نحو آفاق واعدة.لم تأت طلائع الحريات لتلتحق بمعسكر ضد معسكر آخر أو لتتموقع مع طرف ضد طرف آخر، فهي لا تحمل مفهوم صراع للممارسة السياسية، وليس لها أضداد ولا أعداء سياسيون، بل فقط أنداد أو شركاء سياسيون؛ إنها لا تدعي بأنها قادرة على رفع حمل الاستفاقة المواطنية والتقويم الوطني بمفردها؛ فهي تجعل المشروع السياسي الذي تحمله فوق قدر ومصير النساء والرجال الذين يخدمونه، ولا تجعل من الوصول إلى السلطة غاية في حد ذاتها، وإنما وسيلة لهدف هو خدمة دولة وأمة وشعب؛ وهي مهمة تجعلها طلائع الحريات فوق كل شيء وفوق الجميع.يتجسد في إنشاء طلائع الحريات قرار نابع من إيمان تتقاسمه مع كل الجزائريات والجزائريين؛ وهو الإيمان بأن الأمل لن ينصب وأن منابع التفاؤل لن تجف في هذه الأرض المعطاء؛ إنها يد ممدودة لكل مواطناتنا ومواطنينا للمشاركة معا في بناء التجديد الوطني.إن اللحظات الحاسمة والمفصلية التي يعيشها الوطن ليست لحظات للتراجع أمام المحنة، ولا للتقهقر أمام المهمة المنتظرة، ولا للانطواء على الذات أو الاستسلام للأمر الواقع، ولا للتنكر لواجب تحمل المسؤولية.إنه وقت التغيير الهادئ والمنظم الذي دقت ساعته، والذي يستوقف النساء والرجال من ذوي النوايا الحسنة؛ وهو أيضا زمن الأمل الذي لا يمكن أن يموت في قلوب النساء والرجال الأحرار، وفوق أرض قدم أبناؤها عبر تاريخها الطويل أحسن الأمثلة عن العطاء الذاتي والتضحيات من أجل مجد وسؤدد بلدنا.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات