+ -

لا نعرف متى نصل في هذا البلد إلى تشكيل حكومة سياسية؟ لقد أثبت العسكر أنهم غير قادرين على قيادة البلد سياسيا، فمنذ الاستقلال حتى زمن قريب، استبدوا بمفاصل الحكم، وأداروا الجزائر كما لو أنها ثكنة عسكرية، واكتشفوا بعد أربعين سنة أن الدول ليست ثكنات، وأن الشعوب لا يمكن حكمها بقانون ”نفذ وناقش” واكتشفوا أن أمر ”راوح مكانك” لا يؤدي بهم إلى التقدم للأمام.. وككل عسكر تقليدي، حين ضاقت بهم سبل السياسة، وفشلوا في أداء مهامهم، لجأوا إلى حل ظنوا أنه الحل الوسط الأمثل، والأقرب إلى عقليتهم، فاختاروا خريجي المدرسة الوطنية للإدارة، فهم بحكم تكوينهم خاضعون لصناعة الروتين وتطبيق الأوامر، وهو ما يسهل على العسكر البقاء وقوفا في الخلف للإشراف على تحريك البيادق.. غير أن هذا الحل في حد ذاته ليس له أفق، فالإداري يمكن أن يدرس الملفات تقنيا، ويمكن أن يتدرب على الحساب، كما يمكن أن يستخدم الناس ويعاقبهم ويجازيهم، لكنه لا يستطيع أن يرى أبعد من يومه أو ربما أنفه، والدليل أن هذه الحكومة لم تستشرف نكبتها الاقتصادية، وإفلاس الخزينة العمومية، حتى خبط الحيط رأسها، وبالتالي في اعتقادي أن الحل هو في حكومة سياسية.دعونا من حكاية أن السياسة ضعيفة، والسياسة فيها الكذب والنفاق، وما إلى ذلك من أفكار هي من صناعة المخابر، وليس من صناعة الواقع. فخلال الخمسين سنة الماضية، لم يستطع النظام العسكري الإداري أن يترك للسياسيين مجالا لاختبار أفعالهم، بل حاربهم على كل الجبهات، بما فيها الجبهة الاجتماعية، وأوصل البدائل كلها، بما فيها المعارضة، إلى ضعف وتمييع لا مثيل لهما، وحاول أن يقنع الناس بأن السياسيين هم الوباء الحقيقي في البلد، وليس هو المستبد الضيق الأفق.. وله الدليل الذي ينشره ويشيعه بين الناس، فالأحزاب التي شاركته في الحكم لم تنجح في أداء مهامها، نقول مهامها أو وظائفها أو.. والحقيقة أن هذه الأحزاب جيء بها لتطبيق ”برنامج رئيس الجمهورية” وليس برنامجها هي، وبرنامج الرئيس مصنوع على مقاس الذين يحركون البيادق وراء الستار.الفرق بين السياسي والعسكري هو أن السياسي إذا لم يجتهد ويعمل ويقنع الناس بأن ما يقوم به هو لصالحهم، سيستغنى عن خدماته في الانتخابات القادمة، على عكس العسكري الذي ينزل بالدبابات إلى الشارع أو يبعث مخبريه للعبث بصناديق الاقتراع.الفرق الآخر أن السياسي يأتي من صفوف الشعب، منحوت من قيمه ومفاهيمه، وبالتالي هو مضطر لاحترام تلك القيم والمفاهيم، على عكس العسكري الذي تضع له المخابر وهي أجنبية، قصد تهميش الكفاءات الوطنية لقتلها في المهد، قيم ومفاهيم نمطية لا تخضع لمعطيات الواقع ولا لروح الشعب، ولدينا الكثير من القوانين والقرارات التي لا علاقة لها بمتطلبات الجزائريين. ومن هنا نجد هذا التهميش الذي يطال الشعب في الممارسة السياسية، بل إقناعه بأنه غير صالح أصلا لممارسة السياسة، بمعنى أنه غير ناضج ومراهق وغرير و.. كل صفات الاحتقار، ومثلما كان يقول غوبلز وزير دعاية هتلر.. اكذب اكذب حتى يصدقك الناس.. كذلك فعلوا بنا، كذبوا علينا حتى صدقنا أننا لا نعرف مصالحنا، وأننا صغار على ممارسة السياسة، وبالتالي ترك الشعب لهم الحكم حتى وصلوا إلى درجة العبث، والفساد، والاستبداد، واكتشفوا أخيرا أننا بموت هذا الرئيس ستجف منابع البترول، وتنهار الخزينة العمومية، ويأكل الناس بعضهم في الشوارع!؟ يا للعبقرية التي ساسونا بها حتى باب المذبح.. الآن لم يبق هناك ما يخفيه جبل الفشل الذي يرزح تحته الجزائريون، بفضل عبقرية النظام العسكري الإداري المتواطئ مع المخابر الأجنبية. لقد وصل شباك المخالصة وليس في يده سوى الأصفار، وماذا عليه أن يفعل الآن سوى أن يعود العسكر إلى مهامهم والإداريون إلى وظائفهم، ويتركوا السياسة إلى من يعرف ممارستها على الأقل إنقاذا لما تبقى..

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات