38serv
تزايُد حالات الاعتداء على الآباء من قِبل الأبناء جعل الكثير من الجزائريين يعيدون النظر في مفهوم “الزواج”، بعدما كانوا يتفقون جميعا على أنه مشروع لإنجاب الأطفال قبل أي شيء آخر عملا بالمثل الشعبي القائل: “ندير ولاد نلقاهم في كبري”، ليتحول عند الشباب العازبين إلى خطر يهدد علاقاتهم بأوليائهم، وعند المتزوجين حديثا إلى “الأولاد ونس الدنيا” أو بمبدأ القصة الطريفة “نجيب اللي تفتح لي الباب” هروبا من فوبيا الاعتداءات المحتملة عليهم من قِبل أبنائهم الذكور خاصة مستقبلا يردد الآباء على أبنائهم البالغين، والمتزوجين خاصة، قصة للعبرة مفادها أن زوجة اتفقت مع زوجها على مقاطعة عائلتيهما وعدم فتح باب بيتهما لآبائهما؛ وبعد مدة جاء والد الزوج وأصرت الزوجة على الالتزام بالاتفاق فلم يفتحا له الباب، وبعدها بأيام جاء والد الزوجة فبدأت بإقناع زوجها والتوسل له حتى فتحت لوالدها الباب. وبعد سنوات من الزواج أنجبا توأمين ابنا وبنتا، وظل الزوج يهتم بالبنت على حساب الابن، فسألته زوجته عن السبب فقال لها: “لأنها هي التي ستفتح لي الباب”. وتحولت هذه القصة إلى شعار الآباء في التعليق على القصص والحكايات التي تصل مسامعهم حول تعرض آباء وأمهات للتعنيف من قِبل أبنائهم الذكور خاصة، بعبارة: “الحمد للّه عندي اللي تفتح لي الباب”، بينما يعلّق آخرون من الذين لم يرزقهم اللّه إناثا: “نجيب اللي تفتح لي الباب” ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن البعض أصبح يعتبر أن إنجاب بنت هو أفضل مشروع يطمئن به على مستقبله. وتعلِّق على هذا الأمر مسعودة، 60 سنة، ولديها أبناء متزوجون في حديثها مع “الخبر”: “بكري كنا نتباهى بإنجاب الذكور، لكن اليوم كبرت وشفت وأصبحت أشفق على التي لا تنجب أنثى، والتي تنجب ذكرا لا أبارك لها. البنت ما تطيّش والديها”.بعد “الزواج” تفتح أبواب جهنمهذه الفكرة التي تعشش في أذهان المسنين اليوم تعود إلى حقيقة تعرّض الآباء والأمهات للعنف، سواء بالشتم والسب أو بالضرب من قِبل أبنائهم الذكور بنسبة أكبر من الإناث، حسب ما أكدته الباحثة في علم الاجتماع بجامعة الجزائر2 نسيسة فاطمة الزهراء، في دراسة حديثة أجرتها لنيل الدكتوراه تكشف عن تنامي العنف ضد الأصول، أي الوالدين، في الأسرة الجزائرية المعاصرة، وذلك في 6 ولايات: هي الجزائر العاصمة والبليدة وعين الدفلى ووهران وعنابة وغرداية، وشملت 120 أسرة. وتوصلت الدراسة إلى أن 75 بالمائة من المسنين يقيمون مع أحد أبنائهما، وعندما لا تستطيع الزوجة الاعتناء بهما يتم تعنيفهما، مثلما كان في حالة الشيخ فرحات، 90 سنة يقيم في دار العجزة منذ 14 سنة، يقول متحدثا لـ«الخبر” عن قصته: “عندي ابن واحد فقط لكنه أهانني كثيرا ثم تخلى عني بسبب زوجته، وليس لأسباب مادية أبدا لأنه يعمل ومستواه المعيشي جيد”. ويكمل الشيخ: “لست غاضبا منه أبدا، إنه قدري”.ويعود هذا الأمر إلى طبيعة الأسرة الجزائرية التي يقيم فيها الوالدين مع أبنائهم المتزوجين عادة، باعتبار أن 83 بالمائة منهم يحتاجون إلى الرعاية، غير أن 80 بالمائة منهم علاقاتهم بأسرهم سيئة، في حين 71 بالمائة غير راضين عن العيش مع أبنائهم ويعانون من عدم الاهتمام والسب والشتم، و90 بالمائة لا يتحدث معهم أبناؤهم ولا يأخذون بآرائهم، ولا يرونهم إلا في المناسبات. بالمقابل، 55 بالمائة يشعرون بالخوف من أبنائهم ولا يأخذونهم إلى الطبيب، حسب الدراسة ذاتها. “نجيبلهم “خدّامة” ونبقى مليح مع والديّا”هذا الواقع دفع الآباء والأمهات إلى التخلي عن مقولة “نجيب أولاد نلقاهم في كبري”، خصوصا بعد زواج أبنائهم الذي يعتبرونه بداية لسوء المعاملة وتغير قيم الطاعة لديهم، فتدخل قيم أخرى لدى الابن والمتمثلة في المصاهرة ويجد واجبات طاعة بديلة عن والديه، بالمقابل تصبح البنت أكثر طاعة لوالديها لأنها تنظر إليهما على أنهما مصدر حمايتها في حال خلافها مع زوجها.ويظهر هذا من خلال إحصائيات المديرية العامة للشرطة القضائية خلال الـ12 عاما الأخيرة، حيث بلغ عدد الأشخاص الراشدين والموقوفين بسبب العنف ضد الأصول 31535 شخص، منهم 30312 ذكر و1223 أنثى، ما يجعل قصة “اللي تفتح لي الباب” أمل الآباء، بالمقابل تكونت صورة ذهنية لدى الشباب العازبين أصبحوا من خلالها ينظرون إلى الزواج على أنه تهديد لعلاقتهم بآبائهم وأمهاتهم. وهنا يقول منير 30 سنة ساخرا: “ما عندي ما ندير بالزواج، والديا نجيبلهم خدامة ونبقى مليح معاهم”. رأي منير الذي يمثل فئة معتبرة من الشباب اليوم يؤيده عبد الحق، 40 سنة، الذي قال لـ«الخبر”: “خطبت 3 مرات وكل مرة نشرط تتهلا في يما. في البداية تقبل، ومع اقتراب العرس تبدا تكسرلي في راسي، وتقولي أمك لالا.. وحدي خير وراني هاني مع يما”.ومن الحالات التي التقت بها “الخبر” سعيد، متزوج منذ 3 سنوات، الذي كشف لنا: “تزوجت من امرأة أكبر مني بـ7 سنوات لأنها قبلت والدي”. وهي الحالة التي تعكس الخوف الذي خلقه التزايد الواضح في ظاهرة العنف ضد الأصول أي الوالدين لدى الشباب العازب، على اعتبار أن التعنيف يأتي بصفة أكبر من قِبل الأبناء المتزوجين.الأولاد “ونس الدنيا” والمستقبل للمكتوب“مشروع” إنجاب الأطفال الذي تقوم عليه علاقات الزواج لدى الجزائريين تغيّر اليوم حسب الشباب الذين تحدثنا إليهم، فعند المسنين كان يرجع إلى جملة من المعتقدات الراسخة في أذهانهم، والتي تتماشى وطبيعة الأسرة الجزائرية التي تقوم بدورها على إقامة الآباء والأمهات في الكهولة والشيخوخة عادة مع أبنائهم، والنساء اللواتي تنصحن الفتيات بعبارة متفق عليها مفادها: “الرجال راهم كامل كيف كيف، تزوجي ديري ولاد تلقايهم في عقوبتك”. والرجل أيضا يجد عبارات التشجيع نفسها من المقربين إليه: “النساء راهم في كل مكان، روح دير دارك وجيب ولاد تلقاهم في كبرك”، حتى إن الإنجاب يتحول إلى هاجس بالنسبة للمتزوجين، خاصة منهم النساء، فيسارع المتزوجون إلى العلاج منذ السنة الأولى للارتباط، وإذا تأخر الحمل يبدأ التوتر والقلق ويقبلون على كل أنواع الأدوية والأعشاب من أجل “طفل”.اليوم مازال مشروع “الإنجاب” فعالا والأهم في أي علاقة زواج، غير أن الشعار تغير ليصبح “الأولاد ونس الدنيا” بمعنى يؤنسون آباءهم في الحياة، وهو ما تؤكده السيدة فطيمة لـ«الخبر”: “بكري كنا نقولو الأولاد يرفدونا كي نكبرو، اليوم رانا نشوفو فيهم يطيشو في والديهم، على هذه رجعنا نقولو الأولاد زين الدنيا كي يكونو صغار وكي يكبرو يروحو”.المرأة ما تلقى غير راجلهاالظلم الذي تتعرض إليه النساء المطلقات والأرامل جعلهن يقتنعن أن مستقبلهن مرهون بأزواجهن أكثر منه بأولادهن، حيث تقول “غ.ب”، سيدة في الثلاثينات وأم لطفل عمره سنة: “زوجي راهو بعيد على أمه ودار دارو، وأنا نكبر وليدي ومنبعد يروح يدير دارو”، وتضيف ساخرة: “زوجي يقول لي مازحا لا تهمليني من أجله، لأنك في النهاية لن تجدي أحدا غيري”. وتعلّق سيدة أخرى: “الأولاد يتزوجو وكل واحد يشوف حياتو والمرأة ما تلقى غير راجلها”. في حين تأكد أخريات أن سعي المرأة لإنجاب بعد الزواج مباشرة يعود إلى رغبتها في المحافظة على هذا الزواج: “المرأة تشوف أن الرجل لا يمكنها أن تكسبه إلا عن طريق إنجاب الأطفال، والزواج الذي لا يكون فيه أطفال مهدد بالفشل”، من جهتها ترد سيدة في الخمسين من العمر بعبارة “الزمان صعيب والراجل بياع” بمعنى أنه يتخلى بسهولة عن المرأة، أما محمد وهو شاب أعزب فيقول في الموضوع: “المهم نجيب وليدي ويعمر حياتي ومنبعد يحب يروح يروح، مالاتيينش بيه، عندي دراهمي يعيشوني بيا بزوجتي”.يحوّل أمه إلى “عاهرة” بسبب المالالحالات الكثيرة من العنف ضد الأصول التي تسجل يوميا في الأسرة الجزائرية تعود بالدرجة الأولى إلى أسباب مادية تدفع بالأبناء إلى الاعتداء على آبائهم من أجل الحصول على المال منهم، وربما أكثر حالة مؤلمة صادفتها “الخبر” هي حالة الأم وهيبة، التي حولها ابنها إلى عاهرة من أجل الحصول على المال وذلك بسبب إدمانه على المخدرات، وتقول إحدى المقربات منها في حديثها لـ«الخبر”: “ابنها يتفق مع الرجال ويحصل على مبلغ مالي ثم يرسلهم لمعاشرة أمه في البيت. وفي كثير من الأحيان يشبعها ضربا”. وتضيف المتحدثة ذاتها عن السيدة: “عندما طلقها زوجها أخذ منها بناتها وأسس حياة جديدة، وتركها مع ابنها الذي حولها إلى عاهرة بسبب الفقر والمخدرات”. وهيبة تعكس صورة مأساوية عن الاستغلال الذي تتعرض له الأمهات والآباء أيضا من قبل الأبناء من أجل الحصول على المال، خاصة بالنسبة للأرامل والمطلقين، حيث تتحول في الغالب السلطة في الأسرة الجزائرية إلى الابن عند غياب الأب أو موته. وهو الأمر الذي أكدته دراسة الدكتورة نسيسة فاطمة الزهراء، من حيث إن أغلب الأبناء والمتزوجين أيضا يقترضون المال من آبائهم أو يسرقون أغراضهم وممتلكاتهم، أي أن 80 بالمائة منهم يتم استغلالهم ماديا، بالمقابل 85 بالمائة من الأبناء لا يساهمون في مصاريف البيت، ويقومون بالسب والشتم والضرب وتكسير الآثاث.“قيمة” الوالدين من قيمة ممتلكاتهمويشمل هذا العنف بصفة أكبر، حسب الدكتورة نسيسة فاطمة الزهراء، المسنين فوق 70 سنة، كونهم في هذه المرحلة يتعرضون إلى تغيرات فيزيولوجية وجسدية ونفسية وحتى عقلية تسهل على الأبناء التحكم فيهم والسيطرة عليهم وإقناعهم بالتخلي عن ملكياتهم، لاسيما بالنسبة للأرامل والمطلقات بنسبة 60 بالمائة، بينما تنخفض النسبة عند الآباء المتزوجين إلى 14 بالمائة. وهذا الوضع يشمل الآباء والأمهات على حد سواء، ويقول مسعود 65 سنة متقاعد فقد زوجته منذ 3 سنوات وهو أب لـ5 شباب، في حديثه لـ«الخبر”: “أصبح أبنائي لا يحترمونني إطلاقا، ولا صوت لي في الأسرة ويعنفونني أيضا للحصول على المال”. من جهتها تقول السيدة فاطمة 75 سنة تعيش مع أخيها رفقة ابنتها: “ابني أقنعني أن أكتب باسمه البيت بعد وفاة والده، ثم طردني مع ابنتي للشارع”. وتعلق أمينة أم لأربعة أطفال: “الدنيا تبدلت، ورجعنا حنا نخدمو عليهم كبار وصغار ونفكرو في الميراث ألي نخليوهولهم”.هذه الحقائق أكدتها دراسة للباحث نوحنيكة نذير بجامعة الجزائر2، سنة 2011، حول عينة من المسنين المتواجدين بدور العجزة في كل من سيدي موسى وباب الزوار ودالي ابراهيم بالعاصمة، والتي توصلت إلى أن الأمهات يتعرضن للعنف بنسبة أكبر من الآباء، و75 بالمائة من الآباء المعنفين من ذوي المستوى التعليمي المنخفض و53 بالمائة منهم من الذين لا يعملون ولا يملكون دخلا ماديا. “في آخر عمري نشكي بوليدي؟!”الشيء الذي يجمع عليه الآباء، على اختلاف مستوياتهم العلمية والمادية، أن أساس تربيتهم لأبنائهم يقوم على “احترام الوالدين والكبار”، غير أن المشاكل الاجتماعية والحرمان المادي تغلب على هذا المبدأ؛ ففي العائلات الفقيرة والتي لديها عدد كبير من الأبناء عادة ينتشر العنف ضد الأصول. والضغوط المادية تجعل الأبناء يقومون بتعنيف آبائهم، ويصل بهم الأمر إلى سبهم وشتهم وأحيانا إلى جرحهم متعمدين أو غير ذلك، وهناك من وصل به الأمر إلى ارتكاب جريمة إزهاق روح والده بسبب الميراث أو المخدرات أو خلاف بسيط، وذلك لدوافع نفسية أو مادية أو اجتماعية. وهو عنف جسدي مثل الضرب والاعتداء والجرح أو القتل، أو مادي مثل الاستيلاء على الإرث والبيت أو الراتب أو سرقة المجوهرات، أو معنوي مثل الإهانة والسب والتحرش.وتؤكد الدراسات أن المناطق الحضرية ينتشر فيها العنف ضد الوالدين أكثر من الريفية، وذلك بـ63 بالمائة نتيجة الازدحام وضيق السكن. وبالرغم من أن القانون يسلط عقوبات صارمة على المعتدين بالضرب أو الجرح ضد الأصول تصل من 5 إلى 10 سنوات سجنا في حالة تسجيل عجز طبي بـ15 يوما، ويعاقب بالحبس 10 إلى 20 سنة في حق كل من تعمد ضرب أو جرح أحد والديه أو جديه إذا نشأ عنه فقدان أو بتر أحد أعضائه، غير أن أغلب الوالدين المعنفين لا يلجأون للقضاء، وتلخص هذا الحال السيدة فاطمة، 75 سنة: “في آخر عمري نروح نشكي بوليدي ألي جبتو من كرشي؟!”.إمام مسجد “القدس” بحيدرة بالعاصمة جلول قسول“على الآباء أن يحذروا من التمييز بين الأبناء” قال إمام مسجد “القدس” بحيدرة بالعاصمة، جلول قسول لـ«الخبر”، إن الطبيعة البشرية تجعل كل الناس ومن كل الديانات وحتى الذين لا دين لهم يقدسون الآباء ويبجلونهم ويحترمونهم، غير أن الإسلام بصفة خاصة شدد على المبالغة في العناية بالوالدين، مستشهدا بوصية الرسول عليه الصلاة والسلام بالوالدين، ومشيرا إلى أن الأحاديث النبوية في هذا الصدد كثيرة. ويضيف المتحدث ذاته أن الأمر في الإسلام لا يتوقف عند التقدير والاحترام وإنما يمتد إلى الشعور والنية مؤكدا: “وربكم أعلم بما في نفوسكم، تمنعنا ليس من الاعتداء عليهم فحسب، وإنما من الدعاء عليهم في نفوسنا أو أن نتمنى لهم الموت مثلا”. من جهة أخرى، اعتبر المتحدث أن الاعتداء على الأصول امتداد لآفة اجتماعية تمس الشباب اليوم بفعل المخدرات معبرا: “الذي يصل به الأمر أن يشوه جسده لا يمكن أن يفرق بين الناس أبدا، ويمكنه الاعتداء على والديه، لأنه يعتبر مريضا”. وعن الأسباب التي تدفع الشباب إلى الاعتداء على آبائهم وأمهاتهم، يقول الامام جلول قسوم إن جميع الدراسات التي اطلع عليها والاتصالات التي تصله في عمله يوميا تؤكد على أن السبب الأول لمثل هذه الاعتداءات يكمن في التفرقة بين الأبناء، خاصة في ما يتعلق بالأموال والميراث، مضيفا: “هذه التفرقة تجعل الابن يشعر بأنه ضحية وينتقم من العائلة ويبدأ بالوالدين لأنهما السبب في رأيه، وذلك تحت تأثير النرفزة والشعور بالتمييز، ولهذا أقول إن المسؤولية مشتركة بين الاثنين”.وأكد الإمام أن الآباء الذين يقومون بواجباتهم بشكل جيد هم الأقل عرضة للاعتداء من قِبل الأبناء، مشيرا إلى نقطة مهمة: “يجب الانتباه أن الاعتداء بالضرب لا يحدث فجأة، وإنما يتطور من السب والشتم ليصل إلى الضرب، ولهذا فإن توجيه الأبناء ضروري بعد ظهور العلامات الأولى للاعتداءات اللفظية، قبل الوصول إلى الاعتداءات الجسدية والمحاكم”. هذا ويعتبر جلول قسول أن التوجيه ضروري وهو الحل الأمثل بدل الوصول إلى المحاكم، لأن أغلب الآباء والأمهات بمجرد محاكمة أبنائهم أو إيداعهم الحبس تتغلب عليهم عاطفة الأبوة ويتنازلون عن القضايا.بن نوار صالح أستاذ علم الاجتماع بجامعة أم البواقي“المشاكل الاقتصادية تولّد العنف ضد الآباء” قال الدكتور بن نوار صالح، أستاذ علم الاجتماع بجامعة أم البواقي، إن الاعتداء على الأصول يعتبر سلوكا اجتماعيا دخيلا على المجتمع الجزائري تماما، ويعتبر أحد أشكال العنف، مؤكدا أن المجتمع الجزائري لديه خصوصيات أخلاقية ودينية تفترض أن تجعل هذا السلوك أقل انتشارا مما هو عليه، كون العنف ضد الأصول محرم دينيا. وأوضح المتحدث أن هذا السلوك كما يسميه يحتاج إلى دراسات أكاديمية حقيقية وبحث علمي معمق، بعيدا عن أية لغة إنشائية أو عاطفية أو انتمائية.وحسب الدكتور بن نوار، فإن مضامين وسائل الإعلام الجزائرية الموجهة إلى الأطفال تساهم بشكل كبير في انتشار العنف كون تأثيرها عليه يظهر مستقبلا، موضحا: “ما يقدّم إعلاميا غير مدروس إطلاقا، وسيجعل الأطفال عنيفين مستقبلا”، معتبرا ذلك من الأسباب المباشرة التي تؤدي للاعتداء على الأصول.من جهة أخرى، أشار المتحدث ذاته إلى أحداث التسعينيات التي جعلت– حسبه- المجتمع الجزائري يفقد توازنه لعدم وجود سلطة فعلية تتحكم في زمام أمور المجتمع، ما أحدث خللا اجتماعيا كبيرا في الأخلاق والقوانين والدين، مضيفا: “الحياة الاجتماعية تغيرت وأصبحت مرتبطة بالجانب الاقتصادي كثيرا اليوم، فمن جهة فإن الأسر الجزائرية منهكة اقتصاديا ومداخيل معظمها لا تفِ بكل متطلبات أعضاء الأسرة بما فيها الشاب الذي كبر ولم يجد وظيفة، ومن جهة فإن البطالة لا تسمح للشباب بتحقيق أهدافهم الخاصة”، وهذا ما يجعل الشباب، حسب الدكتور بن نوار، يلجأون إلى الآباء الذين يقابلونهم بالرفض لأسباب موضوعية فيبدأ الاختلال والتوتر داخل الأسرة لينتهي بالعنف ضد الأصول.هذا ودعا الدكتور بن نوار إلى ضرورة دراسة العنف ضد الوالدين باعتباره مشكلا موجود وحقيقة مثبتة في المجتمع، يتطلب الاهتمام به وتشريحه سوسيولوجيا من أجل معرفة ووضع توصيات واقتراحات لعدم انتشاره والتقليل منه، معلقا: “لا يجب تجاوز هذا السلوك في البحث العلمي، ويجب على المختصين البحث فيه”.زردومي محمد أستاذ علم النفس بجامعة الجزائر2“المخدرات والأموال تدفع الشباب للاعتداء على الوالدين” أرجع المختص والأستاذ في علم النفس بجامعة الجزائر2 زردومي محمد، في حديثه لـ”الخبر”، الاعتداءات على الآباء من قِبل الأبناء إلى ظاهرة المخدرات التي تنتشر في المجتمع الجزائري، وخاصة وسط الشباب، مؤكدا: “الشاب الذي يعتدي على والديه بالضرب عادة يكون تحت تأثير المخدرات”.ويضيف الأستاذ زردومي أن المخدرات ليست السبب الوحيد لمثل هذه الاعتداءات، وإن كان يعتبرها السبب الأول، مشيرا إلى “مشكلة الحصول على الأموال” التي يعتبرها أيضا من الأشياء التي تدفع الشباب للاعتداء على آبائهم، معلقا: “الآباء من كبار السن الذين يملكون الأموال بالعملة الصعبة يتعرضون للاعتداء من قِبل أبنائهم بغرض سلبهم أموالهم والاستحواذ عليها”. ويرى الأستاذ أن أسباب الاعتداء على الأصول الذي يصنف في إطار العنف الذي يعاني منه المجتمع الجزائري كثيرة ومتعددة، ولا يمكن حصرها، غير أن المخدرات والرغبة في الحصول على الأموال يعتبران أبرز الأسباب.المحامي وأستاذ الحقوق بجامعة الأميرعبد القادر بقسنطينة عبد السلام دغانة“الردع موجود لكن الوعي غائب “ قال المحامي وأستاذ الحقوق بجامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة عبد السلام دغانة، في اتصال مع “الخبر”، إن المشرّع الجزائري شدد على العقوبات المتعلقة بالأصول، مشيرا إلى أن المادة 261 من قانون العقوبات شددت العقوبة على قتل الأصول إلى الإعدام، مضيفا: “بالنسبة للضرب والسب والشتم بالرغم من أنها جنح غير أن القانون شدد بها العقوبات التي تصل من 5 إلى 10 سنوات سجنا عند تعلقها بالأصول، ما يعني أن الردع موجود”. وعن أسباب انتشار الاعتداء بالرغم من العقوبات المشددة قانونيا، يقول الأستاذ عبد السلام: “الظاهرة لا ترتبط فقط بالردع وإنما بالوعي أيضا”. ويشير المتحدث إلى كون الشباب يعرفون أن آباءهم ستتغلب عليهم عاطفتهم ولا يتوجهون إلى القانون والمحاكم، وإذا حدث ذلك فإنهم يتنازلون عن القضايا لاحقا.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات