+ -

تتنافس العلامات التجارية المسوّقة للمشروبات الشبيهة بالخمور في شكلها ومنزوعة الكحول في محتواها، على حجز مكانتها في المراكز التجارية والمقاهي وصالونات الشاي بالجزائر، وسط غموض يلفّ تركيبتها الغذائية وطرق تصنيعها وموردها، كما اختلف المشايخ والخبراء حول طبيعتها وحكمها من شكلها ومضمونها،فمنهم رافض لها بوصفها شبهة، ومرحب بها بإدراجها في خانة التنوع وحرية الاختيار. شخّص مدير مخبر “حلال سرفيس”، عبد الكريم دادي حمو، أصل المشروبات الشبيهة بالخمور والموسومة بالحلال، بأنها روحية وكحولية بامتياز من حيث المذاق والشكل ونسبة الكحول، غير أنها منزوعة أو بالأحرى منقوصة الكحول فقط، باستعمال تقنيات خاصة منها طريقة تسمى “سبايمينغ كون”.ونبّه الخبير إلى أن هذا المشروب لا يأخذ طبيعة العصير، بل هو مشروب مخمر يأخذ نفس مواصفات الخمر الحقيقي ونفس تركيبته إلا أنه خضع لعملية عزل الكحول فقط، مشيرا إلى أن عملية العزل ليست دقيقة، حيث تبقى نسبة ضئيلة من الكحول في صلب المشروب تصل إلى نسبة 0.4 بالمائة، بعدما كانت تقدر في النبيذ الأحمر بحوالي 12 بالمائة، وفي المشروبات الثقيلة والمركزة بأكثر من 20 بالمائة.ويتابع المتحدث، قائلا: “إن المشروب محل الجدل يبقى محتفظا بالتركيبة الأصلية من طعم ولون وشكل بعد عزل الكحول عنه”، مشيرا إلى أن الإكثار من استهلاكها يخلق نوعا من الإدمان عليها، كونها تحتوي على نسبة معينة من الكحول وكذا كونها مخمّرة، كما تعمل على كسر الحواجز لتصبح احتمالات الإقدام على شربها واردة وبسيطة.وبشأن التساؤل حول خضوع الخمور من دون كحول لعملية تحليل تحت مجهر مخابر جزائرية لكشف مدى احتوائها على نسبة معينة من الكحول، أو للتأكد من إمكانية وسمها بالحلال، نفى المتحدث مرورها على المخابر للحسم بأنها عصائر أو خمور، وكذا تحديد احتوائها على الكحول من عدمه.وتطرق دادي حمو أيضا إلى أن الشركات القائمة على إدخال هذه المواد وسمت سلعتها بشهادة حلال من إسبانيا، حيث يتم تصنيعها، في حين لم يتم التأكد من المادة في المخابر الجزائرية، ملفتا إلى أن ماليزيا واجهت نفس الإشكال قبل سنوات، إلا أنها اشترطت تغيير شكل القنّينات الزجاجية الشبيهة بقارورات الخمر الحقيقية مع التأكد من محتواها مخبريا.وبخصوص خلفيات وسياق ظهور الخمور من دون كحول، يقول محدثنا إن ترويجها بدأ بأوروبا وأمريكا واستهدف فئة النساء الحوامل والمسلمين، في محاولة لتفادي كل ما هو مسكر، غير أنها عرفت طريقها إلى البلدان العربية بشكل لافت في السنوات الأخيرة، إذ تُعرض في الجزائر وبأسعار غير عالية مقارنة بالمشروبات الأخرى، حيث تصل قارورة النبيذ الأحمر منزوع الكحول إلى 500 دينار جزائري، فيما تتراوح قيمة المشروبات المركّزة من 700 إلى 1000 دينار جزائري.جعّة ونبيذ دون كحول يتوغلان في وجدان الجزائريين يبدو أن الشارع الجزائري لم يحاكم بعد هذه المشروبات منذ ظهورها، بل تركها تحتل حيزا لها في مخياله وتكرس ثقافتها، في غياب تعريف لها من حيث تركيبتها وموقعها من الدين الإسلامي. ورغم أنها لاتزال نكرة، فإنها تمكنت من إغواء الكثيرين، ليس لإحداث نشوة في الرأس كما تثيرها الكحول، وإنما يشتهونها لطعمها ولاختلافها عن العصائر والمشروبات الغازية المألوفة التي سجلت حضورها على موائدهم لأزمان طويلة.وزارة التجارة تعاملت مع المواد الجديدة بمنطلق تجاري واقتصادي بحت، ولم تحشر أنفها فيما يتعلق بالبعد الديني والروحاني لها، وهو الأسلوب الذي تنتهجه مع المشروبات الكحولية، تكريسا لمنطق للمواطن حرية اختيار المشروب الذي يهواه. لا يدخر الباحث عن هذه المشروبات أي جهد لإيجادها، فهي تنتشر حسب طبيعة الأحياء، تجدها منتصبة في الثلاجات بالمحلات، بالأحياء التي تقطنها الطبقات المتوسطة، وتشتريها على أساس أنها كماليات لمعرفة مكانتها عند الجزائري، هنا لخصت مجموعة من الشباب إن استهلاكها ينحصر غالبا في فئة الشباب، خاصة النوعية المنكّهة بأذواق مختلف الفواكه.لم تكمل عقارب الساعة دورة دقيقة، حتى التحق شاب بحديثنا، ولم يلبث حتى تدخل مقاطعا، متبنيا المذهب الليبرالي “كل منا حر في اختيار ما يأكله وما يشربه، غير أن من واجب السلطات المعنية أن تتحقق من مدى احترام المنتوجات لتدابير الصحة والنظافة”.وبمركز “أرديس” اقتربنا من الرفوف العارضة لهذه المواد، فكانت تستهوي الزبائن الذين يتخذون قرار شرائها بمجرد رؤيتها أو تكون مبرمجة في قائمة المقتنيات، فيما يحط على مقربة منها الفضوليون، يتلمسون شكلها ثم يريدون معرفة كنهها ومضمونها بقراءة الوسم وبطاقة التركيبة، غير أنه يتردد لشرائها حتى يتأكد من حكمها الديني والإداري.هنا سألنا الفضولي عن رأيه إزاء هذا الوافد الجديد على الرفوف الجزائرية، فرد مبتسما: “لم يتبين الخيط الأبيض من الأسود بعد، غير أن من استهلكها قال إنها مشروب عادي بنكهة مختلفة عن المشروبات التي ألفناها ولا تحدث أي سكر أو حتى نشوة خفيفة”.الشيخ أبو عبد السلام“إذا ثبت أنها خالية من الكحول فيمكن استهلاكها”قال الشيخ أبو عبد السلام إنه يمكننا استهلاك هذه المشروبات إذا ثبت أنها خالية من الكحول بشكل كلي بغض النظر عن طعمها، وهذا لا يكون سوى بإخضاعها على مخابر جزائرية يسيّرها مسلمون أثناء عملية استيرادها أو حتى تصنيعها هنا بالجزائر.وبشأن احتواء هذه المشروب على نسبة ضئيلة غير مسكرة من الكحول، استدل المتحدث بالقول “ما أسكر كثيره فقليله حرام، مهما كانت نسبته حتى ولو كانت مجهرية”، مستثنيا الخل من حديثه كونه يستعمل لمآرب أخرى، ومشيرا إلى أن رسول الله قال فيما معناه، إن كل ما غُلل أي وصل إلى درجة الغليان، أو خُلّل، يصبح حلالا.أما بخصوص شكلها، فشدد الشيخ أبو عبد السلام على ضرورة تعبئة هذه المشروبات في قارورات مختلفة حتى تخرج من دائرة الشبهات، مشيرا إلى وضع شروط ومواصفات شكلية يجب على الشركات أو المستوردين احترامها حتى لا تكون شبيهة بالخمور ذات الكحول، وتصير حلالا شكلا ومضمونا. وذمّ المفتي شكل تلك المشروبات انطلاقا من إمكانية استغلاله من طرف بعض الأشخاص فيقدموا على السكر العلني في الشوارع، ويختفون وراء المشروبات غير الكحولية، مضيفا أنه إذا استمر تسويقها بهذه القارورات فإنها تبقى شبهة.مجلسها الإسلامي استشار مختصين بجامعة فوتراماليزيا تقنن استهلاك المشروبات “الشبيهة” بالخمور❊ تجاوزت ماليزيا مسألة الخمور والمأكولات والأدوية التي تحتوي على نسبة من الكحول والموسومة بالحلال، بإصدار قرار بتاريخ 2011، عن طريق مجلسها الوطني للشؤون الإسلامية، الذي استشار معهد بحوث منتجات حلال بجامعة فوترا، وبنوده التالية: كل مشروب خمر يحتوي على كحول وليس كل مادة كحول بخمر، الكحول الناتج من غير صناعة الخمر ليس بنجس ولكن يحرم تناوله لأنه سم قاتل.وأشارت وثيقة القرار الحكومية المعنونة بـ”فتوى” إلى أن المشروبات الخفيفة أو الغازية التي صنعت دون قصد إنتاج الخمر، وتحتوي على مقدار كحول بنسبة 1 بالمائة يجوز شربها، بينما المشروبات ذاتها والتي صنعت بطريقة شبيهة بإنتاج الخمر وتحتوي على كحول قل أم كثر يحرم تناولها. وبشأن المأكولات التي تحتوي على الكحول طبيعيا كالفواكه والمكسرات والحبوب وعصائرها، أو حتى الكحول الناتج جانبيا أثناء تصنيع المأكولات، ليس بنجس ويجوز تناوله. وتواصل البنود: المأكولات والمشروبات التي تحتوي على المواد المنكهة أو الملونة وتتضمن في تركيبتها كحولا بغرض التوازن، فهنا يجوز تناولها، لكن إذا نتج من غير تصنيع الخمر، وبكمية غير مسكرة حيث لا تتجاوز 0.5 بالمائة من الكحول. وختم القرار مشيرا إلى أن الأدوية والعطور التي تحتوي على الكحول كمادة مذيبة ليست بنجسة ويجوز استخدامها إذا نتجت من غير تصنيع الخمر. وبهذا القرار، تكون ماليزيا قد قنّنت وأطرت استهلاك هذه المشروبات من الناحية النظرية، ويبقى الشق السلوكي الفعلي رهين إرادة الأشخاص وحرياتهم، غير أن الدولة قامت بواجبها في توضيح الرؤية والحدود.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات