لاتزال بعض الأوساط المثقفة الفرنسية تحنّ للجزائر الفرنسية، إلى درجة أنها مازالت تسعى لتحويل منظمة إرهابية مثل منظمة الجيش السري “أو. آ.آس” إلى جزء مشرف من تاريخ فرنسا الاستعمارية. وضمن هذا السياق المراجعاتي، يحاول كتاب آلان روسيو الصادر مؤخرا بعنوان “التاريخ اللامنتهي لمنظمة أو. آ. آس”، أن يضع تاريخ هذه المنظمة وما ينجر عنه إلى اليوم من تفاعلات ضمن مسألة “حروب الذاكرة” داخل المجتمع الفرنسي يشرح كتاب روسيو الصادر عن منشورات “لاديكوفيرت” نوايا من تبقى من “فرنسيي الجزائر”، من أجل إظهار صورة “سعيدة عن الجزائر الفرنسية”، بغية إعادة إحياء مسألة “الوجود الفرنسي” الذي نص عليه قانون 23 فيفري 2005، الممجد الاستعمار.واعتبر روسيو في كتابه أن أنصار “الحنين للجزائر الفرنسية” ينطلقون من فكرة أن فرنسا الاستعمارية أوجدت “مجتمعا سعيدا”، رغم وجود بعض التفاوت بين الأهالي والأقدام السوداء، حيث كان يجب انتظار سنة 1947 لكي يتحصل المسلمون على تمثيل برلماني جزائري استمر في العمل إلى غاية سنة 1956 تاريخ توقفه بسبب صدور قانون الأحكام العرفية الذي أسندت له مهمة تزوير الانتخابات والحيلولة دون حصول الجزائريين على الأغلبية، رغم أنهم كانوا يمثلون حينها تسعين بالمائة من السكان، بمعنى أن تاريخ الاستعمار الفرنسي في الجزائر لم يعرف، حسب المؤلف، سوى إحدى عشرة سنة من التمثيل البرلماني.ويدافع روسيو عن أطروحة مفادها أن غلاة الجزائر الفرنسية الذين انضووا تحت لواء منظمة الجيش السري الإرهابية التي وصلت إلى حد تدبير محاولة لاغتيال الرئيس الفرنسي شارل ديغول، يحاولون منذ سنوات تحقيق بعض الانتصارات الأيديولوجية، عبر تقديم صورة ناصعة عن الوجود الاستعماري الذي دافعت عنه المنظمة، كخطوة نحو تمكين اليمين من بعض المكاسب السياسية، لتتحول مسألة “حرب الذاكرة” إلى مطية سياسية.واعتمد روسيو على كمّ كبير من أرشيف هذه المنظمة الإرهابية لتقديم صورتها الحقيقية، وكيف تكونت رؤيتها الفاشية ورغبتها في “الاحتفاظ بالجزائر المستعمرة بواسطة انتهاج خيار التقتيل والإرهاب”.ويعدّ كتاب روسيو بمثابة شرح أكاديمي لكيفية حدوث يقظة أنصار “الحنين للجزائر الفرنسية”، وهو في الوقت نفسه محاولة لسحب البساط من تحت أرجل هؤلاء الذين دافعوا عن خيار الإرهاب واستعادته حاليا كنوع من الماضي المشرف، ضمن “حنين لا يريد أن يخفت” نحو المستعمرة القديمة.وتشهد فرنسا، منذ عدة سنوات، صدور عدة كتب لقدماء “الجزائر الفرنسية”، تحاول إبراز ما تعتبره “الجزائر السعيدة” التي ضاعت بسبب “حرب الجزائر”. وتعطي هذه المؤلفات دعما لأنصار اليمين المتطرف، وحتى اليمين المعتدل بالجناح الذي يمثله الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، حينما تحاول نزع صفة “الإرهاب” عن منظمة الجيش السري “أو.آ.آس”، عبر رد الاعتبار لأنصارها الذين حاكمتهم الديغولية.من هذا المنطلق، يحاول كتاب “آلان روسيو”، وهو أكاديمي بارز، تقديم الصورة الحقيقية لهذه المنظمة التي زرعت الرعب في الجزائر، وكانت السبب وراء الهجرة الجماعية للأقلية الأوروبية سنة 1962.وتكمن أهمية الكتاب في كونه لا يتوانى عن الحديث عن “الإرهاب الأوروبي” الذي روّجت له المنظمة التي ضمت تحالف بعض قيادات الجيش الفرنسي المنهزمة في الهند الصينية، وبعض أوروبيي المدن، وحاملي أفكار اليمين المتطرف. ويكشف الكتاب أن كثيرا من أنصار هذا التوجه الذي حارب “الروح الفرنسية” وحاول اغتيال “ماريان” طيلة المرحلة التي شهدت نشاط منظمة الجيش السري، ينشطون اليوم ضمن تيار “اليمين الجمهوري”. وذهب “روسيو” إلى حد اعتبار الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان، كأحد هؤلاء الذين دافعوا عن خيارات هذه المنظمة الإرهابية.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات