+ -

حضرة الأمين العام، أحييكم بما يليق بسمو مقامكم الأممي، وأعلمك بأن ما يدعوني إلى توجيه هذه الرسالة لك، هو انشغالي كمواطن مما يسمى دول العالم الثالث، بقضية أصبحت تشكل خطرا قاتلا على شعوبنا حاليا، وربما مستقبلا على شعوب الأرض قاطبة.خلال نصف القرن الماضي تم تهريب أموال ضخمة من دولنا إلى الدول الغربية، من طرف عصب استولت على أنظمتنا السياسية بطرق احتيالية شتى، وسيطرت بالقوة أو التزوير على منابع ثرواتنا، وحولتها بطرق غير مشروعة إلى أرصدتها الشخصية في بنوك الغرب. إن هذه الأموال هي ملك لشعوبنا، وهي أساس تنميتنا، ورصيد استثمارنا في مستقبل أفضل من هذا الحاضر المريع الذي نعيش فيه حاليا.إن آثار الاعتداء على ثروات شعوبنا من طرف العصب الحاكمة ملاحظ في التخلف الذي لانزال نعاني من مظاهره وتجلياته، وفي هذه التنمية التي لا تنمو، وفي هجرة إطاراتنا عالية التكوين التي نحن في أمسِّ الحاجة إليها، وفي “الحراڤة” الذين يغامرون بأرواحهم في البحر، وفي المديونيات العالية والاختلالات المالية والهيكلية، والتضخم، وغلاء المعيشة.. وباختصار في الفقر المدقع بين الطبقات الشعبية، والنقائص الكثيرة في المنظومات الاجتماعية، وما يترتب عنها من أمراض، إلى جانب الإحساس، وهذا أخطر، بأن مستقبلنا غير مضمون ولا آمن في بلداننا.لقد استحلت بعض الدول الغربية هذه الأموال التي لا جهد وراءها لسد الثغرات في ميزانياتها، وربما تغطية فشل وسوء تسيير بعض أحزابها الحاكمة التي تغض الطرف عن عمليات التهريب وتبييض الأموال، لرأب تصدعات سياساتها، بل ذهبت أكثر في تمكين الحكم لهذه العصب، من خلال مخابراها وعملائها، بتوريطهم أكثر في الفساد والرشوة وتزوير الانتخابات وزرع الفتن والحروب.. كي يستمر تهريب ثرواتنا إلى بنوكها كغنائم باردة، متجاوزة بذلك قوانينها الصارمة، فيما يتعلق بمثل هذه المخالفات التي تدينها الأخلاق الإنسانية أيضا، وذلك بتقنين الرشوة والقبول بها، يا للخزي، في التعاملات المالية بين المؤسسات والدول.إن الآثار المنظورة لهذه السياسة تتجسد في الدول الغربية بارتفاع البطالة بين المهاجرين، وبكثافة الهجرة غير الشرعية لها، وبارتفاع ثمن خدمات تأمين هذه الهجرات الجماعية، والحد منها أمنيا وعسكريا.. بينما الآثار غير المنظورة قد تؤول إلى ما هو أسوأ إذا ما انقلب هذا الوضع فيها إلى فوضى داخلية لا يمكن التحكم بها منذرة بحرب كونية أخرى.إن منظمتكم الأممية، حضرة الأمين العام، ومن خلال مؤسساتها وهيئاتها، يمكنها أن تساهم في تأمين مستقبل شعوبنا، من خلال تشريع قوانين صارمة للحد من تهريب ثرواتنا وأموالنا، وتبييضها واستثمارها باسم أشخاص في الدول الغربية، بل متابعة هؤلاء الفاسدين والمرتشين كمجرمين في حق شعوبهم، ومتابعتهم قضائيا أمام محاكم تنصب لهذه المهمة، فلا فرق في رأينا بين من يرتكب جرائم ضد الإنسانية بالقتل والتصفية العرقية، وبين جرائم سرقة أموال الشعوب وتفقيرها وتعريض حياتها للجوع والأمراض والإهانة الإنسانية.إن ما يجعلني أتوجه بهذا الاقتراح لحضرتكم هو يأسنا من إمكانية انتظار النضج الديمقراطي والشفافية في تسيير الشأن العام من طرف المستولين على الحكم، لأن تجارب نصف قرن من استقلال الكثير من دولنا أثبتت لنا أن العصب الحاكمة تتشبث بالحكم بتخويفنا بالعسكر والأجهزة الأمنية، وأول درس تمزقه من كتاب التاريخ هو التداول على الحكم. أما التغيير بطرق سلمية، فهو بالنسبة لها ثرثرة سياسية لتأثيث الفراغ حولها.ولذلك لجأنا إلى حكمة وخبرة منظمتكم الأممية لمساعدة شعوبنا على حماية ثرواتها وأموالها، في انتظار أن تستوعب هذه الشعوب وضعها الحضاري، وتتأهل ذاتيا للدفاع عن حقها في مستقبل أفضل.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات