+ -

تعبير تغيير، ليس هو التعبير الصحيح لوصف ما حدث من استبدالات في التركيبة الحكومية وفي مسؤولي عدد من الشركات والإدارات. الأمر فعلا لا حدث بالمعاني السياسية للأسباب التالية:هل كانت البلاد في حاجة لتغيير سياسي أم لتغيير حكومي شكلي؟ وهل البلاد في حاجة لوزراء ومديرين جدد أم لنظام جديد وتوافق وطني جديد؟ ومع ذلك هل يمكن القول إن آليات اتخاذ القرار وخلفيات اختيار الوزراء والمسؤولين تغيرت؟ وهل يمكن القول إن الركود السياسي والاقتصادي يمكن أن يعرف مع الطاقم الجديد حلا أو انفراجا، والرئيس مريض والمؤسسات معطلة والإدارات متهالكة وتحالف الرداءة والفساد متعاظم دوره؟ولو افترضنا أن الطاقم الجديد، سواء على مستوى الوزراء أو على مستوى المديرين، يتوفر على كفاءة عالية، فهل يمكنه تغيير نظام ينتج الفساد بهذا القدر وسلطة تغطي على الفساد وتحمي الفاسدين؟ هل يمكن للطاقم الجديد أن يحل مشكلة الشرعية أو أن يعيد شيئا من المصداقية للعمل الحكومي؟ هل يمكن لأفراد الطاقم أن يكون ولاؤهم للدولة وليس للحاكم صاحب الفضل في تعيينهم أو للشبكات الخادمة والمستفيدة من الحكم؟ هل يمكن للوجوه الجديدة أن تقول: أيها الرئيس أو أيها الوزير الأول أو أيها الوزير إن منهجية عملك وما تطلب تنفيذه من “سياسات!” خاطئ؟ألا نلاحظ، أمام الغياب شبه الكلي لوزراء من حزب الجبهة أو من التجمع، أن السلطة لم تعد في حاجة حتى لتغطية سياسية ولو واهية ورديئة، ونلاحظ أن تحالف البيروقراطيات مع شبكات المصالح التابعة للحكم، ربما كان لها الكلمة الأقوى في هذا التشكيل؟ألا يمكننا حينها الاستنتاج أن المؤشرات التي حملتها التعيينات الأخيرة لا تدل على قرب حدوث تغيير سياسي بقدر ما تدل على هروب متواصل إلى مزيد من الانسداد؟وهل يمكن انتظار أن تجد التركيبة الجديدة حلولا لتدهور أسعار النفط ولتدهور حال المؤسسات ولتدهور الإدارات ولتدهور دولة القانون ولتدهور الأخلاق ولكل إشكاليات مرض الرئيس المؤسساتية والدستورية وغيرها؟ الإجابة على هذه التساؤلات، وغيرها كثير، في الغالب، لا.إن الآليات التي أتت بالوزراء والمديرين الجدد هي نفسها التي أتت بمن سبقهم، والجماعات وشبكات المصالح المؤثرة على القرار ازدادت بصماتها وضوحا.من ناحية أخرى، ليس هناك تقييم ولا محاسبة لمن ذهبوا، حتى من المتهمين بالاختلاس والرشوة وتبديد أموال عامة طائلة وبالعملة الصعبة. فهل استبدال اسم باسم يمكن أن يأتي لوحده بقواعد عمل جديدة، هل يمكن أن ينشئ سلطات مضادة جديدة وبرلمانا فاعلا وقادرا على مراقبة الحكومة ووزيرها الأول ورئيسها؟السلطة القائمة تحاول إعطاء الانطباع بأن الوضع عادي وأنه ليس هناك انسداد ولا أزمة وليس هناك ما يستلزم أي تغيير في منطق عمل النظام وسلطته وليس هناك ما يدعو لأي قلق.هراء كل ذلك، فالغاية من عملية استبدال أسماء بأسماء أخرى على رأس الوزارات وعلى رأس بعض الشركات والبنوك، ليس التغيير وإنما إعطاء الانطباع بأن الأمور تحركت، في حين أنها تراوح مكانها. أليس من خاصيات هذا النظام الثابتة ومن سمات هذا الحكم الأكيدة تدمير الكفاءات وإفسادها لأنه يقوم على الولاء وليس على الكفاءة؟إن وجود سلطة ولو قوية مع انعدام رؤية وغياب قيادة ذات شرعية ومصداقية، كانت نتيجتها وستكون “استهلاك” مزيد من الإطارات من دون أن توجد حتى حكومة حقيقية تنشغل بالجزائر والجزائريين وليس بتقاسم الريع وتقوية الشبكات الناهبة للمال العام ومن دون أن توجد وزارات حقيقية ومن دون أن توجد مؤسسات دولة تعمل بكفاءة عالية.هذه السلطة أثبتت أنها تستند، في الغالب، للرداءة وتتستر على الفساد والمفسدين، لقد بددت ثروات طائلة وكفاءات كثيرة وطردت الذكاء، وبددت خاصة الوطنية والأخلاق، والخوف أنها تبدد اليوم حظوظ الأجيال المقبلة في بلد مستقر ودولة مؤسسات وفي إرادة وطنية فاعلة. لهذا هل يمكن أن ننتظر منها أن تتغير فجأة وأن تغير تحالفاتها ومنطقها؟من دون حدوث تغيير هادئ وعاجل لا يمكن انتظار قيام حكومة حقيقية، وأقل من ذلك قيام تحالف الكفاءة والنزاهة والوطنية، لأن شرط ذلك هو انتهاء تحالف البيروقراطيات المتخلفة الفاسدة مع شبكات المصالح النهمة الغبية، هذا التحالف هو المشكلة اليوم وليس الحل. فالرئيس صار أسيرا لهذا التحالف.. وهو مسؤول عن قيامه ولا يقدر، في غالب الظن، على إنهائه[email protected]

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات