+ -

أخرج الإمام الطبراني في أوسطه من حديث أمِّ سلمةَ رضي اللّه عنها قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “صنائع المعروف تقي مصارع السّوء، والصّدقة تطفئ غضب الربّ، وصلة الرّحم تزيد في العمر، وكلّ معروف صدقة، وأهل المعروف في الدّنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدّنيا هم أهل المنكر في الآخرة، وأوّل مَن يدخل الجنّة أهل المعروف”. بذل المعروف من سنن الأنبياء، ومن هدي المرسلين عليهم الصّلوات والسّلام، فهذا خليل اللّه إبراهيم عليه السّلام نال هذه المنزلة بصناعته للمعروف، فقد ورد أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم سأل جبريل فقال: “يا جبريل لم اتّخذ اللّه إبراهيم خليلاً؟ فقال: لإطعامه الطّعام يا محمّد”، وهذا موسى عليه السّلام يأتي ماء فيجد بنتين ضعيفتين لا تقويان على مقارعة الرّجال، فبقيتا تنتظران الفرج، فيأتي موسى ويسقي لهما: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِلِّ}، وهذا عيسى عليه السّلام يقول اللّه على لسانه: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَمَا كُنْتُ} أي: اجعلني نفّاعًا للنّاس أينما اتّجهت وحيثما حللتُ.وأمّا سيّد الخلق صلّى اللّه عليه وسلّم فحدّث ولا حرج، ففي صحيح مسلم سئلت عائشة رضي اللّه عنها: هل كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يُصلّي وهو قاعد؟ قالت: “نعم بعد ما حطّمه النّاس” أي: بكثرة قضائه لحوائجهم. ثمّ إنّه صلّى اللّه عليه وسلّم حثّنا على صنع المعروف، ومن ذلك: أنّ رجلاً جاء إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، أيّ النّاس أحبّ إلى اللّه؟ وأيّ الأعمال أحبّ إلى اللّه؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “أحبّ النّاس إلى اللّه أنفعهم للنّاس، وأحبّ الأعمال إلى اللّه سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دَيْنًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخ لي في حاجة أحبّ إليّ من أن أعتكف في هذا المسجد شهرًا، ومَن كفّ غضبه ستر اللّه عورته، ومن كظم غيضه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ اللّه قلبه رخاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتّى تتهيّأ له ثبّت اللّه قدمه يوم تزِلّ الأقدام”.إنّ المعروف يتجلّى أثره حتّى على الأبناء؛ يذكر أصحاب السِّيَر أنّ سفانة ابنة حاتم الطائي وقعت في الأسر فخاطبت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وقالت: يا محمّد إن رأيتَ أن تخلي عنّي ولا تشمت بي أحياء العرب، فأنَا ابنة سيّد في قومه، وإنّ أبي كان يحمي الذمار، ويفكّ العاني، ويشبع الجائع، ويكسو العاري، ويقري الضّيف، ويطعم الطّعام، ويفشي السّلام، ولم يرد طالب حاجة قطّ، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: “يا جارية هذه صفة المؤمنين حقًّا، لو كان أبوك مؤمنًا لترحّمنا عليه، خلّوا عنها فإنّ أباها كان يحبّ مكارم الأخلاق، واللّه تعالى يحبّ مكارم الأخلاق”.ومن صنائع المعروف العفو عن الغريم، ففي الصّحيح عنه عليه الصّلاة والسّلام قال: “كان تاجر يداين النّاس، فإذا رأى معسرًا قال لفتيانه: تجاوزوا عنه لعلّ اللّه يتجاوز عنّا، فتجاوز اللّه عنه”. وأولى النّاس بالمعروف هم الوالدان، ثمّ الأهل والجيران وهكذا، قال تعالى مخاطبًا الأزواج: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، فعلى الزّوج معاشرة زوجته بالمعروف، وعليها كذلك، بل حتّى الطّلاق يجب أن يكون بالمعروف: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}.فيا مَن ابتُليَت بمرض وأعياك علاجه، وحار في علاجك الأطباء، وأصابك اليأس، فعلّك ببذل المعروف وعلى رأسه الصّدقة: “داووا مرضاكم بالصّدقة”، ويا من تريد النّجاة عليك ببذل المعروف: “مَن نفّس عن مسلم كربة نفّس اللّه عنه يوم القيامة كُربة من كرب الآخرة، ومن يَسَّر على مسلم يسَّر اللّه عليه في الدّنيا والآخرة، ومَن ستر على مسلم في الدّنيا ستر اللّه عليه في الدّنيا والآخرة، واللّه عزّ وجلّ في عون العبد ما كان في عون أخيه”.واحذر يا مَن تبذل المعروف أن تفسده بالمنّ والأذى: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى}. سمع ابن سيرين رجلاً يقول لآخر: فعلتُ إليك وفعلت، فقال له: اسْكُت، فلا خير في المعروف إذا أحصي، فالامتنان يبطل الشّكر ويمحق الأجر ويذهب بالبركة.وعليك أن تحرص على مكافأة مَن أسدى لك معروفًا: “وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ”.

إمام مسجد عمر بن الخطاببن غازي ـ براقي

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات