+ -

 كان تحويل القبلة أوّلاً عن الكعبة إلى المسجد الأقصى لحكمة تربوية أشارت إليها الآية “وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ” البقرة:143. فقد كان العرب يعظّمون البيت الحرام في جاهليتهم، ويعدّونه عنوان مجدهم القومي..ولمّا كان الإسلام يريد استخلاص القلوب لله وتجريدها من التعلّق بغيره، وتخليصها من كلّ نعرة وكلّ عصبية لغير المنهج الإسلامي المرتبط بالله مباشرة، المجرد من كلّ ملابسة تاريخية أو عنصرية أو أرضية على العموم. فقد نزعهم نزعًا من الاتجاه إلى البيت الحرام، واختار لهم الاتجاه فترة إلى المسجد الأقصى، ليخلّص نفوسهم من رواسب الجاهلية، ومن كلّ ما كانت تتعلّق به في الجاهلية.حتّى إذا استسلم المسلمون واتّجهوا إلى القبلة الّتي وجّههم إليها الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، وفي الوقت ذاته بدأ اليهود يتّخذون من هذا الوضع حجّة لهم، صدر الأمر الإلهي الكريم بالاتجاه إلى المسجد الحرام. ولكنّه ربط قلوب المسلمين بحقيقة الإسلام: حقيقة أنّ هذا البيت بناه إبراهيم وإسماعيل ليكون خالصًا لله، وليكون تراثًا للأمّة الإسلامية الّتي نشأت تلبية لدعوة إبراهيم ربّه أن يبعث في بنيه رسولاً منهم بالإسلام الّذي كان عليه هو وأبناؤه من بعده.فإذا اتّجه المسلمون فترة من الزّمان إلى المسجد الأقصى الّذي يتّجه إليه اليهود والنّصارى فقد كان ذلك لحكمة بيّنها فيما سبق، فالآن وقد شاء الله أن يعهد بالوراثة إلى الأمّة المسلمة وقد أبَى أهل الكتاب أن يفيئوا إلى دين أبيهم إبراهيم عليه السّلام لتحظى الأمّة الإسلامية بكلّ خصائص الوراثة حسًّا ومعنى، وراثة الدِّين، وراثة القبلة، وراثة الفضل من الله جميع. (راجع ظلال القرآن لسيّد قطب رحمه الله “سورة البقرة”).

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات