+ -

شكّلت إعادة دمج قطاعي الشباب والرياضة في وزارة واحدة في الحكومة التي يرأسها الوزير الأول عبد المالك سلال مفاجأة، ومعها استدعى القرار الجديد طرح عدة تساؤلات حول أسباب التراجععن الفصل وأيضا الحنين إلى تعايش القطاعين، وسط استغراب الطبقة السياسية والرياضيةمن الاستعجال في إعادة جمع القطاعين في حقيبة واحدة. كان يبدو أن أصحاب القرار في الجزائر يتمتعون بنضج كبير بإقرار الفصل بين قطاعي الرياضة والشباب، بعدما كلفوا عبد القادر خمري بحقيبة وزارة الشباب، فيما أصبحت مهمة البروفيسور محمد تهمي تقتصر فقط على تولي حقيبة الرياضة، إلا أن تراجعهم عن القرار الأول في ظرف قصير، إثر التعديل الحكومي الأخير، أعطى الانطباع بأن السلطات السياسية في الجزائر تفتقد لاستراتيجية في تحديد متطلبات الشباب في القطاعين والحلول الواجب تقديمها للاستجابة لانشغالات شريحة الشباب، في محيط لم يعد مطلقا يسمح بصرف النظر عن أخطاء تقدير الأولويات.وتعني إعادة النظر في الفصل بين الرياضة والشباب أن السلطة السياسية توصلت إلى قناعة أن القطاعين ينتميان إلى جسد واحد وبالتالي لا يمكن فصلهما بعدما تم اعتماد التجربة الأولى، كما يفسر القرار بكون سياسة الفصل أتت بنتائج غير مجدية، ما تعين استبدالها بالخيار الثاني، ويعني القرار الجديد أن السلطات السياسية حسمت الجدل القائم حول اتهامات كل قطاع بهيمنته على ميزانية الآخر، حيث يعتبر إطارات الرياضة أنفسهم ضحية تنامي متطلبات الشباب والعكس صحيح، ويعني القرار أيضا أن التسويق لمصطلح الديناميكية المرجوة لتبرير أي قرار له مفهومه الخاص لدى السلطة ولم يعد يقنع أحدا.التقشف يفسر اعتماد القرارليس مستبعدا أن يكون التقشف وراء أحد أسباب قرار إعادة دمج القطاعين، بسبب تراجع أسعار البترول في السوق الدولية، تبعا للسياسة العامة التي سطرتها الحكومة للاقتصاد في النفقات العمومية، حيث اتضح أن تكلفة الفصل بين الرياضة والشباب لن تتحمله ميزانية الدولة لمدة طويلة، بسبب المصاريف غير المتوقعة التي يتطلبها تسيير قطاعين بصورة منفصلة تطبعهما حساسية كبيرة.وفي إطار الإجراءات التي اتخذتها الحكومة للحد من فاتورة المصاريف، بسبب تراجع مداخيل الدولة، جاء الدمج بين القطاعين للاقتصاد في النفقات العمومية، وقد بدا للدولة أنها ليست بحاجة إلى وزارتين تهتمان بانشغالات مشتركة، ما دعاها إلى الفصل بينهما لأسباب مالية بحتة وأيضا لصعوبة التسيير والتكيف بسرعة مع التداعيات التي أفرزها الفصل بين الرياضة والشباب.انشغالات الشباب تبقى عالقةوإذا كان قرار الدمج من شأنه أن يقتصد في فاتورة التسيير والنفقات العامة، فإنه يتجاهل خصوصية انشغالات الشباب وبالتالي يعرض المشاريع والبرامج الخاصة بالجمعيات الشبانية للخطر، بعدما كانت وزارة بأكملها بكل مصالحها تتولى تنفيذها بصورة مستقلة عن قطاع الرياضة. ويطرح الدمج أسئلة عديدة حول ما إذا كانت السلطات السياسية قد أكملت مهمتها في الاستجابة لانشغالات الشباب، خاصة في الجنوب، وما إذا كانت مشاكل الشباب لم تعد معضلة تثير مخاطر أمنية على الجزائر، خاصة بعدما تولى وزير الشباب سابقا، عبد القادر خمري، الإشراف على تنفيذ عدد من المشاريع الثقافية والسياحية والمهنية والترفيهية الخاصة بالشباب، ضمن خطة حكومية تحرص على تفادي حدوث ثورة يكون أبطالها الشباب الذين تحولوا إلى قنبلة موقوتة وسط ظرف وطني ودولي غير مستقر.إخفاقات تهمي تستعجل العودة إلى الدمجتسبب توالي إخفاقات وزير الرياضة، محمد تهمي، في استعجال الحكومة لاتخاذ قرار الإعادة السريعة لدمج الرياضة والشباب، حيث قدر أصحاب القرار أن القطاع بحاجة إلى نفس جديد، من خلال تعيين مسؤول جديد على رأس القطاع بعد دمجه، وقد شكل فشل الجزائر في سباق الفوز بتنظيم كأس أمم إفريقيا 2017 أكبر الإخفاقات التي تحسب على الوزير، رغم أنه لم يكن المسؤول الوحيد على الملف، وأساء الإخفاق كثيرا لصورة الجزائر وتسبب في حدوث صدمة والشعور بخيبة كبيرة وسط الرأي العام الرياضي، بعد إعلان نتيجة فوز الغابون بالتنظيم، وهو ما استدعى قيام الوزير الأول باستفسار تهمي حول الإخفاق. ولم يكن تهمي محظوظا كثيرا في الفترة التي تولى فيها القطاع، رغم أن الجزائر تأهلت إلى الدور الثاني لأول مرة في مشوار مشاركتها في كأس العالم لكرة القدم بالبرازيل في فترة إشرافه على القطاع. وكان تهمي ضحية أيضا استفحال العنف الذي أخذ أبعادا خطيرة في الملاعب، وقد حمل تهمي مسؤولية فشل البرامج الخاصة بمحاربة العنف والشغب، رغم أن العنف ظاهرة اجتماعية، ولم يكن من الصعب استئصالها في ظرف قصير. وقد زادت متاعب الوزير السابق إثر حادث مقتل لاعب شبيبة القبائل، الكاميروني ألبير إيبوسي، بملعب أول نوفمبر في تيزي وزو، وهو الحادث الذي ألحق ضررا بالغا بسمعة الجزائر ليس فقط قاريا بل أيضا دوليا، وحتى الاحتراف لم يبلغ درجة متقدمة رغم الأموال الكبيرة التي ضختها السلطات العمومية في حسابات الأندية التي لم تتوقف عن توجيه سهامها إلى تهمي، وأخيرا قضية ملعب 5 جويلية الذي لم تنته الأشغال فيه مثلما وعد به الوزير، بسب تقدير السلطات العليا، ما استدعى نقل المقابلة النهائية لكأس الجزائر إلى ملعب البليدة، وسط استغراب الجميع.صراعات خفية بين تهمي وخمريلم يخف على أحد وجود صراعات بين خمري وتهمي حول عدة ملفات، فمنذ أن تولى خمري حقيبة الشباب، اندلعت حرب باردة بين عضوي الحكومة، وكان تحديد الصلاحيات أحد أبرز المشاكل التي عكرت علاقات الوزيرين، وقد بلغ الخلاف درجة دخول الوزيرين سباق التنافس على احتلال مكانة استراتيجية في الواجهة الإعلامية للترويج لنشاطات قطاعيهما وحرصهما على عدم التفريط في التنازل عن أي ملف يخضع لصلاحية كل منهما.وكان تهمي ينظر إلى خمري على أساس أنه منافس جاء يتقاسم معه مسؤولية تسيير قطاع الشباب بصورة مستقلة عنه، بعدما كان يتولى مهمة تسيير القطاعين معا. وبدت الصعوبة في تواصل الوزيرين حين اتضح استحالة الفصل في تسيير قطاعيهما على مستوى مديريات الشباب والرياضة الولائية، حيث استمر الدمج في زمن الفصل. وطرحت أيضا قضية نقل الملفات الخاصة بالشباب من وزارة الرياضة إلى المقر الجديد لوزارة الشباب، ما فتح جبهة بين الوزيرين، وكانت كل هذه الأحداث تنقل إلى الوزير الأول في صورة تقارير، وقد تأكد رفع ”الحصانة” عن تهمي عندما ناب عنه خمري لحضور حفل افتتاح كأس أمم إفريقيا الأخيرة بغينيا الاستوائية.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات