تقتطع الحكومة الموقرة من راتبي ضريبة للدخل، ويجهز الأبناء على ما بقي من الراتب، وحتى لا أموت كمدا واختناقا من التقاطعات، والاقتطاعات وقطاع كل الطرق، اعتزل الحكومة والأبناء، وأنزوي في مقهى شعبي، وأنا ابن الشعب البار الذي يحب بلده حتى النخاع، إن بقي فيه نخاع، وفي المقهى الشعبي أحتسي قهوتي من النوع الرديء، الرديء والذي جاد به عليّ مستورد يملك مالا مسروقا وفقرا لا يحسد عليه في الشرف والوطنية. أنا لا أعرفه، أعرف فقط القهوة الرديئة التي احتسيها! ومعها، تحتسي عيناي جريدتي المكتوبة بالحرف العربي لأن الحكومة قالت لي أيام كنت تلميذا: إن فرنسا ولغتها يجب رميهما في البحر، فنشأت أعادي الاثنتين معا من غير تمييز، وها قد صرت أعمش، ويريدونني أن أبقى أعمى.أفضل قراءة جريدة “الخبر” (بالمناسبة أنا أقتنيها بعشرين دينارا قبل الزيادة، وأقتنيها بخمسة وعشرين دينارا بعد الزيادة)، أحتفظ بأعداد قديمة منها، أبدأ بتصفح عمود سعد بوعقبة، أحيانا يورد الإبل بشكل يحسد عليه، وأحيانا ألعن كل ما كتبه، وأراه يهذي أو “يخرط”، وأخاف على مستواه أن ينحدر ما دامت الموضوعات التي تُفْرضُ عليه يعافها الحضيض، أتحول إلى صفحة الوطن، ثم إلى الجزائر العميقة، وأتصفح صفحة الإعلانات لعل الحظ يبتسم لي في شراء أو بيع، والحظ دائما لا يبتسم، يزيدني ألما على الراتب الذي لا يفي بالحليب، نسيت الفواكه الموسمية، واللحم طلاقه يحتاج إلى مجمع فقهي ليدخله القدر!الجريدة تعلن رفع السعر “على مضض وبالكثير من الألم”، وأنا حر في اقتنائها أو الإعراض عن ذلك، ولأن المضض كان “رأفة بقرائها” فإن الرأفة نفسها تحتّم عليّ أن أكون قارئا، أليس من شيم الكرام (والقارئ يوصف دائما بالكريم) أن يرحموا عزيز قوم ذل، أو ليس من شيم الكرام أن يقيلوا عثرة من سقط، ويهدوا من ضلّ؟تعتذر الجريدة عـن خمسة دنانير زيادة، وقد أخبرتني من قبل عن ملايير سرقت وأقوات نهبت وعائلات شردت، فكانت قهوتي تزداد مرارة في فمي، وكان الألم يزيد في إنسانيتي، وكان الوجع يذهب بعيدا عما آل إليه بلدي!سرقوا حليب أطفالي وما استأذنوني، أرأيتم لصا يستأذن في السرقة؟سرقوا كتابا أمَّلْتُ قراءته الشهر القادم، وجاء الشهر منقوص الكرامة موفور الجهالة.سرقوا الأرض والعرض، والوطن، سرقوا الأحلام من عيوننا، ثم يتساءلون عن الخراب من أين جاء؟يتساءل اللصوص الوطنيون عن الإرهاب من أين جاء، اسألوا أبا ذر أيها الكانزون، وإن شئتم ماركس أيها البرجوازيون بلا قيم، اسألوا نبيكم الذي “مَاتَ وَمَا شَبِعَ مِنْ خُبْزٍ وَزَيْتٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ” ولا أظنه يتشرف بأمثالكم أيها المترفون من بؤسنا.سأبقى قارئا للحرف ما دام فيه نبض من الصدق ورمق من الحرية التي تريدون الإجهاز عليها، وسأبقى مبغضا لجهلكم أيها المنتفخون من بؤسنا. عشرون دينارا لن تزيد في فقرنا نحن الفقراء، فالغريق لا يخاف البلل[email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات