عبث الحكومة بالعدالة أصبح ظاهرة لا تحتاج إلى إثبات.. كم من مرة أمرت الحكومة العدالة بإصدار أحكام على المقاس لاعتبار هذا الإضراب أو ذاك غير شرعي، أي أنه مجرد غياب عن العمل، وهذا يتطلب التصرف مع هذا الإضراب وفق القانون، سواء بخصم أجور المضربين عن العمل أو بفصلهم أو توقيفهم عن العمل.. لكن في العديد من المرات تضرب الوزارات قرارات العدالة عرض الحائط، وتعتبر الإضراب شرعيا وتدفع أجور المضربين، وتسجّل القضية وكأنها لم تحدث، ويذهب قرار العدالة إلى المزبلة لأنه في الأساس لم يكن قرار العدالة، بل كان قرار الحكومة أو الوزارة حرّرته العدالة بقلم قاض.اليوم أيضا قررت الوزارة باسم العدالة أن إضراب الأساتذة و«كناباست” غير شرعي، وفي الوقت نفسه تتفاوض الوزارة مع النقابة لإنهاء الإضراب ومن ثم إلغاء قرار العدالة، أي أن الوزارة ستدفع أجور مضربين إضرابهم غير شرعي بنص قرار العدالة الذي هو بالأساس قرار الوزارة باسم العدالة!وعندما تدفع الوزارة أجور العمال المضربين (بلا قانون) لا أحد يسأل الوزارة عن هذا التصرف غير القانوني في عدم احترام قرار العدالة.. الطريف في الأمر أن الاستهتار بالعدالة وصل إلى مداه.. مؤخرا فقط، نشرت الصحف أن النقابة رفضت استلام قرار العدالة! هكذا واللّه يحدث للعدالة في بلادنا.. ولعل هذا هو المخرج القانوني للوزارة أمام النقابة في موضوع استخدام العدالة في الصراع النقابي بين النقابة والوزارة.. فقد تكون الوزارة هي التي أمرت العدالة بالحكم بعدم شرعية الإضراب، وفي الوقت نفسه تسكت عن عدم استلام النقابة للقرار حتى لا تحرج الوزارة نفسها مستقبلا عند انتهاء الإضراب، وتجد الوزارة لنفسها خط الرجعة عن عذر تطبيق قرار العدالة كونه لم يبلّغ إلى المضربين!إنه، حقا، الاستهتار بالعدالة وبالنقابة وبالوزارة وبالتلاميذ، وفي النهاية الاستهتار بالكل.. أي العبث بالدولة ومؤسسات الدولة.. وعندما يعبث الرئيس بالدستور وبالمؤسسات الدستورية كما هو حاصل الآن يجعل الحكومة لا يجتمع مجلس وزرائها، ويتحول مقره إلى بيت الرئيس، ويتحول البرلمان إلى صالون كبير لانتظار معاشات النواب، وتتحول الرئاسة إلى حظيرة للأدوات المستعملة سياسيا والتي انتهت صلاحياتها، ويعم الشغور كل أركان مؤسسات الدولة.. عندما يحدث ذلك ولا يرى أي واحد أن ذلك من العبث بالدولة والمؤسسات، فلا نتعجب إن عبثت وزارة من الوزارات بالعدالة والنقابة والمضربين وبالمال العام.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات