“الفاڤابون” قُتل على يد أبناء حيّه بـ”دروج الكبدة”

+ -

“سلالم صولاي” المتواجدة بالقصبة، أو كما يحلو لسكان المنطقة تسميتها بـ”­دروج الكبدة”.. كثرة الدماء التي تتدحرج في السلالم من كثرة وقوع الجرائم فيها، هي السلالم ذاتها التي غمرت دم عثمان “الفاڤابون”. هو شاب يبلغ من العمر 17 سنة، لفظ أنفاسه الأخيرة، بعد أن تم طعنه بخنجر على مستوى القلب، ذات منتصف ليلة جمعة تزامنت مع أيام العيد لسنة 2012. روى شهود عيان، خلال التحقيق معهم بمحكمة باب الوادي بالجزائر العاصمة، بخصوص ما حدث في هذه الليلة التي ارتكبت فيها الجريمة الشنعاء، أن الضحية وأثناء نزوله عبر هذه السلالم صادف عصابة (ع. ح) المكنى “نوفل” وبحوزتهم أسلحة بيضاء، ليَهُمّ هو الآخر بإحضار سيفين وخنجر من نوع “كلونداري” للدخول معهم في معركة دامية أردته قتيلا، وكان ذلك في الأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك.المتهمون “نوفل”، “تيبوحة”، “دورودا” و«ماريو”، ومن بينهم قصّر بتاريخ ارتكاب الجريمة وشبان في مقتبل العمر، لا يتعدى عمرهم آنذاك 22 سنة، توبعوا في هذه القضية بتهم تنوعت بين تكوين جماعة أشرار لغرض ارتكاب جناية القتل العمدي مع سبق الإصرار، وحمل أسلحة بيضاء محظورة دون مبرر شرعي، مع التستر وإخفاء أداة الجريمة.الضحية لم يقبل الاعتداء على صديقه فدفع حياته ثمناوعن تسلسل الأحداث، أجمع المتهمون على أنهم بتاريخ الوقائع ذهبوا للاستفسار عن سبب بحث “الفاڤابون” عن صديقهم المكنى “نوفل”، والذي كان قد قام في الليلة الماضية لتاريخ الوقائع، بضرب أحد أصدقاء الضحية “الفاڤابون” ليستنجد الصديق بالضحية من أجل الانتقام له من هذه العصابة، بعد أن قام أحدهم بضربه على رأسه بواسطة مقبض سكين.«الفاڤابون”، وهو المعروف بمواقفه الرجولية مع أصحابه، قرر البحث عن “نوفل”، فراح يسأل عن مكان تواجده في جميع أرجاء حي القصبة العتيق، وطلب من أصدقائه دله على مكانه.. بحث مطولا عنه لمدة يومين، ولكن دون جدوى، إلى أن قرر “نوفل” التوجه إليه بتاريخ الوقائع، بعد أن أخطره أفراد “جماعته” بأن “الفاڤابون” يبحث عنه. جمع “نوفل” جميع أفراد جماعته وقرر الخروج للقاء “الفاڤابون”، في ساعة متأخرة من الليل..“نوفل” يخرج للبحث عن “الفاڤابون” في ساعة متأخرة من ليلة القدرجمع “نوفل” أفراد عصابته وخرجوا في ساعة متأخرة من ليلة القدر للبحث عن “الفاڤابون” لـ«تلقينه درسا لن ينسى”، حسب تصريحات أحد الشهود في محاضر السماع.. بحثوا عنه مطولا، إلى أن أخبرهم أحد الأشخاص بمكان تواجده، وهذا في ليلة 24 أوت من سنة 2012، وتحديدا في حدود الحادية عشرة ليلا، على مستوى “سلالم صولاي”.. وعندها خرج المكنى “عثمان الفاڤابون” حاملا بيده سيفين، وهنا تهجّم عليه أفراد العصابة ونزعوا من بين يديه السيف الأول، فيما ظل يلوح بالسيف الثاني حتى يتفادى طعنه بالخناجر، وعندها تلقى عدة ضربات على يد أفراد جماعة “نوفل”، فيما استقرت الضربة الأخيرة على مستوى قلبه، ليفر أفراد العصابة من المكان وإلى وجهة مجهولة..نداء من غرفة العمليات بـ«مايو”.. “عثمان الفاڤابون” ماتطعنة الخنجر من أحد أفراد جماعة “نوفل”، التي أصيب بها “الفاڤابون” على مستوى الجهة اليسرى من الصدر أردته قتيلا، حيث تلقت مصالح الشرطة الجنائية نداء من غرفة العمليات بمستشفى الجامعي محمد لمين دباغين (مايو) بباب الوادي بخصوص تعرض قاصر للقتل بواسطة أداة حادة على مستوى القلب، حيث سارع عناصر الشرطة القضائية إلى المستشفى لجمع المعلومات الأولية التي ستفيدهم في التحقيق الأمني الواجب في مثل هذه الحالات.أصدقاء “الفاڤابون” هددوا بقتل “نوفل”أصدقاء “عثمان الفاڤابون”، ومن هول صدمة فراقهم لصديقهم، أقسموا بجميع الأيمان بأن لن يهدأ لهم بال حتى يقتلوا “نوفل” وجميع أفراد عصابته انتقاما منهم على قتل صديقهم، حيث توجهوا لوالد “نوفل” مدجّجين بسيوف وخناجر، وأعلموه بتهديدهم بقتل ابنه في أول ظهور له بحي القصبة. والد “نوفل” لم يكن قد علم بقضية قتل “عثمان الفاڤابون” بعد، إلى أن تم إخطاره بذلك من قبل أبناء الحي، الذين نصحوا القاتل بتسليم نفسه للعدالة، قبل أن يستلمه أصدقاء “الفاڤابون” ولن يعرف له مصير.المتهمون سلّموا أنفسهم للشرطة خوفا من الموت على يد أصدقاء “الفاڤابون”جاء في حيثيات القضية أن “نوفل”، ومباشرة بعد الجريمة التي راح ضحيتها غريمه “الفاڤابون” غادر على جناح السرعة حي القصبة العتيق، واصطحب معه أفراد عصابته، ومكثوا بمدينة الرغاية قرابة يومين، ومن ثم قرروا العودة للحي بعد أن سمعوا بنبأ وفاة “عثمان الفاڤابون”.. وجاء قرارهم بالفرار إلى الرغاية خوفا من الموت على يد أصدقاء الضحية الذين هددوا بقتلهم جميعا انتقاما لموت صديقهم، وفي تلك الأثناء قرر “الأصدقاء” تسليم أنفسهم لمصالح الأمن.المتهمون رفضوا كشف اسم القاتلالمتهمون، والبالغ عددهم 8، رفضوا الإفصاح في المراحل الأولى من التحقيق عن اسم القاتل، حيث ظلوا يراوغون المحققين وفي كل مرة يتم سماعهم فيها، أجمعوا في سردهم للوقائع بأنهم دخلوا في معركة جماعية تعذر عليهم خلالها معرفة صاحب الخنجر الذي قتل عثمان..بخنجر من قتل الضحية؟«بخنجر من قتل الضحية؟”، ظل هذا السؤال مطروحا خلال فترة التحقيق مع المتهمين الذي رفضوا الإفصاح عن اسم القاتل، وكلهم كانوا على دراية تامة بهوية صاحب الخنجر الذي طعن “الفاڤابون” ولكنهم أصروا على التكتم خوفا منه. أما المتهم الرئيسي بدوره رفض الاعتراف وظل ملتزما الصمت، متمسكا بالإنكار كلما تم سماعه، إلى أن قرر في نهاية المطاف الخروج عن صمته والإدلاء بشهادته التي غيّرت مسار القضية..“نوفل” اعترف بقتل “الفاڤابون” بطعنة خنجرأخيرا قرر “نوفل” الاعتراف، حيث صرح بأن اقترافه للجريمة كان دون قصد إحداثها، بالرغم من أن شركاءه اعترفوا وأكدوا على أنه هو من أصرّ على التقرب إلى حي إقامة الضحية للحديث معه، مدجّجين بالأسلحة البيضاء، موضحا بأن الضحية خرج من داخل مخبأ وتوجه إليهم بـ«دروج الكبدة”، وهو المكان الذي كانوا ينتظرونه فيه، وعندها أشهر الضحية في وجههم سيفين، وراح يلوح بهما عشوائيا، وعندها قاموا بضربه ومن ثم طعنه بالخنجر، غير أن “عثمان الفاڤابون” لم يستسلم بل راح يجري وراء “نوفل” وضربه ضربة أخيرة بالسيف على مستوى الظهر، ومن ثم ظل “الفاڤابون” واقفا بـ«دروج الكبدة” والدماء تنزف من صدره..شرطي يخفي أداة الجريمة!ظل محققو الشرطة يبحثون عن أداة الجريمة لأسابيع طويلة، ورفض المتهمون الإفصاح عن مكان تواجدها، إلى أن اعترف أحدهم وقال بأنهم أخفوها لدى المدعو “ياسين الروجي”، وهو شاب يعمل في سلك الأمن. ولدى استدعاء “الروجي” أنكر في الوهلة الأولى علمه بالأمر، وبعد مواجهته باعترافات المتهمين تراجع واعترف بدوره بمكان إخفائه للخنجر من نوع “كلونداري”، حيث رافق عناصر إلى مكان إخفائه للسكين بالقرب من مقر إقامته، حيث لفّه في قطعة قماش وأخفاه أسفل الأدراج.محكمة الجنايات تصدر أحكاما متفاوتة للجناةبعد أسابيع من التحقيق الأمني والقضائي، برمجت محكمة الجنايات بالجزائر العاصمة، في دورتها الجنائية لسنة 2013، هذه القضية التي أسالت الكثير من الحبر، كونها حدثت في حي شعبي وفي أيام رمضان (ليلة القدر)، عندما كان الناس يتضرعون للّه عز وجلّ بالدعاء، كل حسب حاجته وحاله. وقد أدانت هيئة المحكمة “نوفل” بـ15 سجنا سجنا نافذا، فيما أدين باقي أفراد العصابة بعقوبة 8 سنوات سجنا والبالغ عددهم 9 أشخاص.الأستاذ إبراهيم بهلولي“القاضي يخضع لمخاطبة روح القانون في معالجته للقضايا الجنائية” قال الأستاذ إبراهيم بهلولي، محامي معتمد لدى المحكمة العليا، إن حكم محكمة الجنايات يتم بعد طرح عدة أسئلة ومن خلال ما يدور في الجلسة من استجواب ومرافعات. أما فيما يخص هذه الجريمة فقال إن هناك جملة من ظروف التشديد، حيث نجد تعدد الأفراد، وظرف الليل، والأسلحة البيضاء، وهذه الظروف تزيد في قناعة الجريمة، ولكن من الممكن أنها كانت بنية التخويف فقط، لهذا محكمة الجنايات لا تكتفي بسؤال واحد لكافة المتهمين والشهود، فنجد القاضي يطرح عدة أسئلة ويعيد صياغتها وطرحها من جديد حتى تظهر في الجلسة بعض الأدلة الجديدة وللتأكد من صحة إجابات المتهم، مؤكدا أن القاضي يخضع لمخاطبة روح القانون في معالجته للقضايا الجنائية.وأضاف الأستاذ “كما لا ننسى الدفاع الذي يملك دورا كبيرا في مرافعته”، فمن خلال قرار الإحالة، ومن خلال الاستجواب سيفسر للمحلفين الجوانب القانونية الغامضة التي تعكس النية الحقيقية للمتهمين، كما أن هناك بعض الحالات من خلال المساءلة التي تحمل أسئلة مفخّخة يمكن للقاضي استنباط بعض الوقائع الأخرى، وهنا تقع بعض التناقضات في بعض الحالات والتي تورّط المجرمين، وفي حالات أخرى تظهر براءة المتهمين، وهناك حالات يتوفر فيها الجاني والمجني عليه وحتى أداة الجريمة، ولكن الأجوبة تحدد التكييف القانوني الجديد للجناية، فتتحول مثلا من جناية القتل العمدي إلى الضرب والجرح العمدي المؤدي إلى الموت دون قصد إحداثه، وهي الحالات التي يسأل فيها القاضي سؤالا احتياطيا للفاعل، فيتأكد من خلاله إن كان الجاني قد اقترف الجناية بقصد التخويف فقط أو بنية القتل أساسا، وهنا نستخلص أن القاضي لديه سلطة في إصدار الحكم حسب اقتناعه بنص القانون، والقاضي إذا اقتنع بما قال مرتكب الجناية، يتم التصويت حسب السؤال المطروح أمام مساءلة الجنايات.الأخصائية في علم النفس الأستاذة آسيا مهمل“يجب الاهتمام بالأحياء الشعبية لإزالة عوامل التوتر” قالت الأخصائية في علم النفس الأستاذة آسيا مهمل إن كل إنسان قبل أن يدخل في أي وضعية يخطط حتى يدرك الخطر، لكن في مثل هذه الحالة المطروحة أمامنا، نجد أنه إما أنه لا يوجد إدراك للخطر، أو أنه يوجد إدراك خاطئ للخطر، والسبب الرئيسي لهاتين الحالتين هي “السادية”، كأن يعتبر الإنسان أن له سلطة على نفسه ورغباتها ويمكنه تطبيق ما يحلو له على أرض الواقع من انتقام وقتل، إلى غير ذلك من الأمور السلبية. وفي هذه الحالة نجد أن المتهم لم يتقيد فيها للحدود، وانعدام وجود الحدود أدى بهم إلى ارتكاب هذه الجريمة في حق قاصر..وأضافت الأخصائية “السادية موجودة لدى كل إنسان، ولكن هناك من يستطيع قمعها، وهناك من لا يمكنه وضع حدود لها”، وأوضحت “هؤلاء الشبان لم يدركوا الحدود، فكانت لديهم الاندفاعية، ولم يتمكنوا من فرملتها أو توقيفها، وفي أغلب الأحياء الشعبية تتوفر العوامل المفجرة لاستفحال الجرائم، وحتى جنايات القتل، نظرا للإطار الاجتماعي غير الجيد، ما يولد اختلالا في البنية الشخصية للأفراد، فبتوفر العوامل يتولّد اختلال في توظيف الشخصية، شخصيتهم تختل في الهيكلة، فيندفعون دون حدود”.وقالت محدثتنا إنه “يجب أن يكون هناك تكفل نفسي جيد داخل المؤسسات العقابية بمثل هذه الحالات، وأن نعلمهم بأنهم أخطأوا، وأن نحاول برمجة الشعور بالذنب لديهم، فلذلك آثار سلبية في حالة عدم توجيههم”، وأضافت “يجب أن نقنعهم بأنهم يستطيعون الاندماج في المجتمع من جديد والتحول إلى مواطنين صالحين، وعلى مراكز التكوين في الأحياء الشعبية أن تكثف نشاطاتها في ما يخص المجال النفسي، من حيث توظيف عدة مستشارين نفسانيين لقمع مثل هذه الظواهر، ولاستعمال طاقات هؤلاء الشبان في ما هو إيجابي، حتى لا يتوجهوا إلى ما هو سلبي ومضر للمجتمع”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: