قد يعتقد رئيس الجمهورية التركي، رجب طيب أردوغان، أنه باعتقال رئيس تحرير أكبر جريدة في تركيا “زمان”، أكرم دومانلي، ومدير مجمع “سمان يولو”، هيدايت كراجي، يكون قد قضى على الفكر الحر المناهض للفساد والطغيان فهو مخطئ.من طبيعة الملوك والحكام، السعي إلى التحكم في كل مفاصل الدولة ووضع كل شيء تحت سلطتهم وبإمرتهم ولا صوت يعلو على صوتهم، وإن ظهر من يروه عامل تهديد لعرشهم سواء من رجال الدين أو السياسية فيعمدون إلى عزلهم عن محيطهم الاجتماعي أو التضييق على أفكارهم، لأن الحاكم المستبد لن يقبل أن يلتف حوله الناس سوى شخصه، وعلى هذا الأساس سوف يتخذ أساليب عديدة للتفريق بين الصالحين وعامة الناس في المجتمع.انتهج أردوغان أسلوب التخويف عن طريق التهديد والوعيد والزج في السجون الصالحين من عامة الناس في تركيا، الذين يخشون البطش وانتهاك حرمة الآخرين، لا من أجل مصلحة تركيا وإنما للتستر على الفساد الذي نخر وتجذر في دواليب حكومة حزب العدالة والتنمية.اعتقال أكرم دومانلي وهيدايت كرجا على ذمة التحقيق هو ظلم، ولا يعني أن صوت العقل والحق اندثر، فهناك ملايين من أمثالهم سوف يحملون المشعل ويواصلون الدرب، لأن الفكرة التي غرسها العلامة فتح الله كولن فيمن يفهم فكره، يعدون بالملايين، فإذا اعتقل واحد من هؤلاء هو أمر محزن ومؤلم وقاسٍ، لكن ذلك لن يوقف القطار عن السير، فالمسألة لا تتوقف على أشخاص بعينهم، بل هي في عقول الكثيرين من لهم القدرة على تحمل المسؤوليات والمواصلة في خدمة الإنسانية جمعاء.أما الاتهام الموجه إلى رئيس تحرير جريدة “زمان”، أكرم دومانلي، ومدير مجمع “سمان يولو”، هيدايت كراجي، فهو ضرب من الخيال وافتراء يصعب على العاقل فرزه وتصديقه، حيث يرتبط هذا الاتهام بتنفيذ الشرطة التركية العملية الأمنية في 2010 ضد مجموعة “تحشية”، صدر بتوقيع مدير الأمن العام آنذاك “أوغوز قاآن كوكسال”، وهو اليوم نائب في البرلمان عن حزب العدالة والتنمية الحاكم، فضلاً عن أن هذه العملية أسفرت عن العثور على كميات من الأسلحة والذخائر بحوزة هذه المجموعة. وكانت العمليات ضد مجموعة “تحشية” بدأت العام 2010 بعد أن أمر محمد دوغان أعضاء مجموعته باستخدام السلاح في أحد اجتماعاتهم، مع أن المجموعة كانت مراقَبة منذ 2008. وكان دوغان الذي يقول: “لا إسلام بغير سيف”، ويمدح إماماً اسمه “فرشات” لقيامه بتصنيع الصواريخ في بيته، طالب أعضاء المجموعة بأن يصنعوا هم السلاح أيضاً ويستخدموه. وبعد تجميع هذه المعلومات، نفّذت قوات الأمن آنذاك عملية ضد مجموعة “تحشية” المرتبطة بتنظيم القاعدة، وأصدرت المحكمة قراراً باعتقال بعض أعضاء المجموعة والإفراج عن البعض الآخر مع استمرار محاكمتهم. وكانت كل وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية، وعلى رأسها الصحف والقنوات الموالية حالياً لحكومة حزب العدالة والتنمية، تحدثت عن هذه العملية باعتبارها “عملية ضد مجموعة دينية مرتبطة بالقاعدة”، بل إن يكيت بولوت الذي كان كبير مستشاري رجب طيب أردوغان عندما كان رئيساً للوزراء، واحتفظ بمنصبه هذا حين صار أردوغان رئيساً للبلاد، هو أول من كشف عن “ارتباط تلك المجموعة مع القاعدة” في برنامج على قناة “خبر تورك”، التي كان عمل فيها رئيسا للتحرير لها بين أعوام 2009 و2012، قبل أن يصبح كبير مستشاري أردوغان. كما أن الحكومة التي انزعجت كثيرا من تغطية كل صحيفة “زمان” ومجموعة “سامان يولو” الإعلامية لأحداث الرشوة والفساد وفرضت على الأخيرة غرامات مالية تقدر بملايين الدولارات عن طريق المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون، أقدمت، نهاية هذا الأسبوع، على تنفيذ عملية ضد هاتين المؤسستين الإعلاميتين أسفرت عن اعتقال رئيس كل منهما. ولا شكّ في أن سبب هذه الحملة الشعواء يكمن في موقفهما ضد أعمال الفساد والرشوة.* سفيان مخنف ـ إعلامي
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات