علينا أن نبحث الآن، وأكثر من أي وقت مضى عن الأسباب التي تَحُول بيننا وبين تحقيق النتائج والأهداف التي نسعى إليها دائماً- كشعب جزائري-، وبالتالي يصبح هذا البحث عن الأسباب بمثابة التفكير خارج الصندوق المغلق لتحقيق هذه النتائج والأهداف، والمقصود بالصندوق هنا، كما يقول المفكر والكاتب الغربي ماري جوفاي: “هو نمط السلوك الذي يقيّدنا ويحد من رؤيتنا للفرص والنتائج التي يمكن تحقيقها”.في الآونة الأخيرة كثرت الأصوات الشاكية من أسلوب إدراك التوجه الفكري الصحيح في بلادنا، وبالتالي تعالت الانتقادات الموجهة لهذا الفكر، والمتهمة له ليس بالتقصير عن وصوله لمستوى الواعي الناضج فحسب، بل فوق ذلك بأنه يكاد يكون هو السبب في إخماد فتيل الرغبة في استخدام العقل، وذلك بسبب تركيز العقل في مجتمعنا على المأكل والملبس والمسكن الذي بات سقف الحاجيات، وصار أكثر من أمنيات بالنسبة لنا.لقد أصبح وعينا كالأعمى، ما جعلنا أشبه بالذي يمشي في الظلام دون هدف واضح وبلا بصيرة تنير له دربه أو حتى السعي وراء استكشاف الحقائق. وهذا الكلام هو ما يبرهن نتيجة وضعنا الحالي الذي أضحى مزرياً على حساب مستوانا الاجتماعي، ما أدى إلى خمود قوى الإبداع والابتكار، وخمود هذه القوى الهامة أدى إلى محيط سلبي غير منتج، ما يترك أثراً واضحاً يجر المجتمع إلى الوراء، ويقيّده بعجلة التخلف الجامد عن الحركة. فالتقدم الاقتصادي والاجتماعي، وحتى التكنولوجي والعلمي، مرهون بالتقدم الفكري، وما هذا الأخير إلا حصيلة التوجه والاجتهاد؟ وما نلاحظه من تأخر أمتنا ما هو إلا نتيجة اختلاف في نمط أساليب التنمية والتطوير في المجالات المختلفة في إدراك الفكر وتعليمه.إن إعادة النظر في واقعنا الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ليس مربوطا بالتقدم المعرفي والمعيشي قدر ما هو حوصلة التقدم الفكري والنشاط العقلي، وهذا ما يدعونا إلى الاعتراف بأن هناك حاجة عظيمة لإعادة النظر في إدراكنا الفكري وأنماطنا التعليمية وأساليب التعديل والتطوير فيها.ومن هنا، فإن الحاجة تبدو ملحّة إلى التفكير خارج الصندوق المغلق، وإكساب مهاراته بطريقة عملية مباشرة، ولن يتم ذلك إلا بالإيمان بأن نمو التفكير وتطوره له عظيم الأثر على المجتمع، ذلك أن التميّز في المستقبل يعتمد بشكل متزايد على درجة التقدم في القدرات الفكرية والعقلية، وأن الفوز في مضمار التنافس العلمي يتطلب الاجتهاد والحرص وبذل كل ما يمكن لتنمية وتطوير هذه المهارات.نتيجة لذلك، لابد من ظهور حركة داعية إلى أن يكون هناك اهتمام أكثر بتنمية العقل وتطوير القدرات الفكرية، واكتساب مهارات تفكيرية عالية التنظيم، وزيادة النمو في الاهتمام بتطوير وتنمية الإمكانيات الذهنية، والدراسات والأبحاث التي تتناول الحث على تعليم التفكير والتوكيد على ضرورة ذلك وأهميته، وبالتالي تعديله وتحسينه لتحصيل علمي استراتيجي يستطيع من خلاله الفرد الجزائري أن يفكر خارج الصندوق المغلق.مؤلف وكاتب خبير في تنمية الأفراد والمجتمعات [email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات