شرع فرقاء الأزمة في مالي، الليلة قبل الماضية، في التفاوض، حول مأدبة عشاء أقامها وزير الخارجية، رمطان لعمامرة، بإقامة جنان الميثاق، من أجل تبني مشروع اتفاق سلام، مدعوما أمميا وأوروبيا منذ جوان الماضي. وتجري الجولة الجديدة من الحوار المالي - المالي، وسط مخاوف من أن تنتهي بلا توافق، خاصة بعد رفض تنسيقية حركات الأزواد المصالحة مع الحكومة المركزية قبل التوصل لاتفاق سلام يعترف بخصوصية سكان إقليم الشمال.هيمنت لغة التمني على خطابات أطراف النزاع، والدول المنضوية تحت مظلة الوساطة الدولية، ما يترك الانطباع بأن الطريق أمام تحقيق السلام في هذا البلد لا يزال طويلا وشاقا. واختار لعمامرة أن يكون آخر المتدخلين في جلسة افتتاح الجولة الخامسة من مفاوضات السلام في مالي. وكان طيلة الجلسة يدون ملاحظاته التي جاءت على شكل ردود وتوضيحات وتصحيحات لما نطق به ممثلو النزاع من “أرضية” و«تنسيقية” و«حكومة”.فقد آثر لعمامرة أن يوجه رسائل مباشرة إلى تنسيقية حركات الأزواد، بقيادة بلال آغ الشريف، وبدا أن لعمامرة كان منزعجا من عدم دبلوماسيته، والعبارات التي استعملها في تدخله المرتجل.. والمتضمن هجوما لاذعا للحكومة المركزية في باماكو. بالنسبة إليه، هذه الأخيرة تستغل المعطى الدولي والإرهاب الذي ينخر مناطق شمال مالي والساحل، في محاولة لـ«توريطه” في التوقيع على اتفاق سلام لن يأتي بالنفع لأفراد طائفته التي تقاوم منذ 50 عاما ما يسميه “ظلم الحكومة المركزية”.في هذا السياق، يقول آغ الشريف: “نريد اتفاقا للسلام يكون شاملا، حقيقيا وعادلا.. منذ 50 عاما وأجدادنا يكررون نفس الكلام، عن هويتنا وخصوصيتنا، ونحن الأحفاد والأبناء نفعل ذلك الآن.. هؤلاء لا يعيروننا أي اهتمام.. كيف نعقد سلاما مع طرف يصم أذنيه عن سماع الحقيقة؟”، بالنسبة إليه، “تحقيق السلام على الأرض يسبقه سلام في العقول، نحن نسعى للتعايش والاعتراف بالآخر برؤية واضحة، والسلام يسبق المصالحة، لأن حكومة باماكو تناور وتعمل على وضع العربة قبل الحصان وهذا مرفوض.” وزاد انزعاج لعمامرة، الذي كان يدون ما يقوله آغ الشريف، عندما اعتبر تمكن المجموعات الإرهابية من إقليم الأزواد في الشمال “نتيجة لممارسات حكومة باماكو!”وتركت كلمات آغ الشريف الحضور يتبادلون الآراء بإيماءات الجسد ولغة العيون، إذ في الوقت الذي جاء تدخل وزير الخارجية المالي هادئا، بعد تعهد ممثلي الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بدعم - بكافة الوسائل- مسار السلام وما سيترتب عنه، جاءت مواقف “التنسيقية” لتنسف جو الثقة الذي سعت الوساطة الجزائرية لإضفائه طيلة عام كامل.وما يعزز هذا الرأي، اعتذار وزراء خارجية دول الجوار، وهي تشاد وموريتانيا وبوركينافاسو والنيجر، عن الحضور وفضلوا تفويض سفرائهم بالجزائر لتمثيلهم وقراءة رسائل غلبت عليها لغة “التمني وتحريك الوجدان والعواطف”، خلافا لتصريحات موفد الاتحاد الأوروبي، ميشال ريفورا، التي صبت في اتجاه الإسراع بالتوقيع على اتفاق السلام، بالنظر، كما قال، لاستمرار الوضع على ما هو عليه في مالي من تداعيات مباشرة على استقرار وأمن الاتحاد الأوروبي، مشيرا ضمنيا إلى الهجوم الذي استهدف صحيفة “شارلي إيبدو” الفرنسية، الشهر الماضي، والدنمارك، السبت الفارط. وختم ريفورا كلمته بصيغة الأمر قائلا: “مشروع الاتفاق موجود وهو توافقي وواقعي وبراغماتي، يجب وضع حد للوضع السائد في الساحل”.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات