يقول الرئيس للشعب العزيز، وللمعارضة وللداخل والخارج، إنه سينجز دستوره المُعجز بكل رَوِية، وتأن لتفادي “التسرّع والتقليد والارتجال”، وكأننا سنصنع الاستثناء وسنضع دستورا نسيّر به العالم، بينما الأمم التي سبقتنا كانت تلهو حين أنجزت دساتيرها، وعليكم أن لا تُزعجوا فخامته وهو معتكف هناك في قصره الرئاسي لعل وعسى الوحي الإلهي ينزل فجأة، لتوقف الجزائر كل الأيادي الأجنبية التي تحرك المؤامرة ضد الوطن والدين والرئيس والاقتصاد والبترول وواد الحراش والمسجد العظيم وسيارة رونو. الرئيس يهدد شعبه، إما أن ينتظره ليتم الدستور بروية دون ارتجال واستعجال، أو فاليتوقع حدوث “المآسي” و«المغامرة” التي يريد الرئيس أن يجنّبنا إياها. كأن الأرض ستتوقف عن الدوران والزمن سينتظر ولادة دستور الجزائر الحبلى به منذ 10 سنوات، وكأن العالم سيدي سيتوقف عن التقدم من أجل انتظار ما يسفر عنه دستوركم، وتونس لن تنتخب رئيسها إلا بعد صدور دستوركم، وأسعار البترول ستتوقف عن الهبوط في انتظار دستوركم، والمطر لن ينزل إلى أن يصدر دستوركم، وعلى الحوامل أن ينتظرن ولا يضعن حملهن، إلا بعد إتمام الدستور، لعل وعسى يحدث هذا تغييرا في جنس المولود .. الرئيس يهدد شعبه إما الانتظار وإما الفوضى، رغم أنه حريص على استقرار الجزائر وأمن الجزائريين و”يعمل على حفظ استقراره وتجنيبه الاضطرابات التي تعرفها مختلف دول عالمنا في زمن التحولات العميقة التي يشهدها”. فعلا سيدي الرئيس لقد تعوّدنا على الانتظار، على انتظار المعجزات بكل أنواعها، منها انتظار معجزة أنكم ستتركون ذلك الكرسي وتسلمون المشعل للشباب كما سبق وأن بشّرتم به في سطيف ذات يوم نزلت فيه الحكمة عليكم منزلة الوحي.. نعم لقد تعوّدنا على الانتظار لا يمكن أن تكون المهانة والمذلة مكتملتان إلا في حالة انتظار الفرج، الذي لن يأتي إلا على يدي سيدي الرئيس المخلص الذي تنتظره الجزائر ودستور الخلاص الذي يقودنا إلى الجنة الموعودة. أي هوس هذا الذي نعيشه؟ ذكّرني هذا الموقف بحلقة ضمن سلسلة رائعة كانت تبث عبر “تلفزيون الحزب الواحد” وعنوانها “أعصاب وأوتار”، حين أمسك الممثل علاوة زرماني بملف المشروع ووضعه في الدرج وربّت عليه قائلا “نَنِى يا مشروع نني”، واليوم نحن نواجه نفس الموقف مع مسودة الدستور، لأنها ستنام كثيرا في حرير قصر المرادية إذا لم يحس النظام والرئيس ومن حوله بأن الجزائر تغلي والمعارضة تتوعد والطبقة السياسية تحذّر.
الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يرد بقوة وبرسالة واضحة وصريحة، إما أن تنتظروا قرآنكم الذي فيه كنتم تستفتون، سآتيكم به أو سيأتيكم الطوفان، وإن كان النبي نوح قد نجح في إنقاد البشرية من الغرق كما تخبرنا الكتب السماوية، فمن سيخبرنا أن سفينة الجزائر سترسو يوما على بر الأمان بعد سنوات وبعد وضع الدستور.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات