+ -

 تمثّلت الأخلاقية الإسلامية بكمالها وجمالها وتوازنها واستقامتها واطّرادها وثباتها في تلك الشّخصية النُّورانية، شخصية سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وتمثّلت في ثناء الله العظيم وقوله القديم: “وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ”.وبعد هذا الثّناء العظيم من الربّ الجليل على عبده الكريم يطمئنه إلى غده مع المشركين الّذين رموه بذلك البُهت اللّئيم ويهدّدهم بافتضاح أمرهم وانكشاف بطلانهم وضلالهم المبين، ثمّ يكشف الله عن حقيقة حالهم وحقيقة مشاعرهم وهم يخاصمونه ويجادلونه في الحقّ الّذي معه، ويرمونه بما يرمونه وهم مزعزعو العقيدة فيما لديهم من تصورات الجاهلية الّتي يتظاهرون بالتّصميم عليها، إنّهم على استعداد للتّخلي عن الكثير منها في مقابل أن يتخلّى هو عن بعض ما يدعوهم إليه، على استعداد أن يدهنوا ويلينوا ويحافظوا فقط على ظاهر الأمر لكي يدهـن هو لهم ويلين.. فهم ليسوا أصحاب عقيدة يؤمنون بأنّها الحقّ، وإنّما هم أصحاب ظواهر يهمّهم أن يستروها.. قال عزّ وجلّ: “فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ”. فهي المساومة إذن والالتقاء في منتصف الطّريق كما يفعلون في التّجارة. وفرق بين الاعتقاد والتّجارة كبير. فصاحب العقيدة لا يتخلّى عن شيء منها لأنّ الصّغير منها كالكبير، بل ليس في العقيدة صغير وكبير، إنّها كلّ لا يتجزّأ، حقيقة واحدة متكاملة الأجزاء لا يطيع فيها صاحبها أحدًا، ولا يتخلّى عن شيء منها أبدًا.وما كان يمكن أن يلتقي الإسلام والجاهلية في منتصف الطّريق ولا أن يلتقيا في أيّ طريق وذلك حال الإسلام مع الجاهلية في كلّ زمان ومكان، جاهلية الأمس وجاهلية اليوم، وجاهلية الغد كلّها سواء. أنّ الهوّة بينها وبين الإسلام لا تُعبّر ولا تُقام عليها قنطرة، ولا تقبل قسمة ولا صلة وإنّما هو النِّضال الكامل الّذي يستحيل فيه التّوفيق.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: