لم ترتبط سلطة المال، بالجزائر، بمجيء الرئيس بوتفليقة إلى سدة الحكم، عام 99، ولكن، نمو شبكات المال استفحل “في الخفاء” خلال مرحلة بداية التسعينات، على ما كان يسمى “بمليارديرات التسعينات” الذين استغلوا فترة الإرهاب لتكوين الثروة، لكن دون أن يكون لهذه الثروة تأثير على القرار السياسي في وجود “الكلاشنيكوف”، إلا سنوات بعد ذلك.لم تعد سطوة المال مرتبطة بالانتخابات، ولكن سطوة هذا المتغير الجديد الذي صنع لنفسه شرعية، غطت على “الشرعية الثورية” في جزائر الألفية الثالثة، أصبحت ممتدة في الزمن، حينما تحولت إلى مرجعية، تكاد تكون مستندا كليا، في اتخاذ أي قرار سياسي، في الجزائر. وبعيدا عن منطق “التهويل” باتخاذ المال “فزاعة” لتيئيس الجزائريين من احتمال تغيير سياسي في الأفق، فإن حكاية الجزائريين مع المال السياسي خرجت إلى العلن مع الانتخابات التشريعية لماي 2012، لما تقدم المئات من رجال المال والأعمال للترشح، سواء في قوائم أحزاب أو قوائم حرة، لكن اللافت أن القوائم الحرة أصبحت، أكثر من غيرها من الأحزاب، يشار إليها بالأصبع، عما تتضمنه من أسماء لامعة في فضاء الأعمال، وسيق كلام من أفواه مختلفة أن “رحلة رجال المال من أجل البحث عن الحصانة، قد بدأت من هنا.. من الانتخابات التشريعية”. الحصانة وإن بدأت من هنا، لكن “المال السياسي” لم يتوقف هنا، بل توقف عند تلك التساؤلات التي لم يجد لها أحد إجابة.. عن كارتل المال الذي رافق الحملة الانتخابية لبعض المترشحين قبيل 17 أفريل الماضي، ودفعت بعض منافسي الرئيس بوتفليقة إلى الدعوة للتحقيق في مصادر حملة منافسيهم، وكان المترشح بوتفليقة المستهدف الأول، لكن الضجة التي أثيرت في الموضوع سرعان ما انطفأت في غياب “الدلائل”. حاليا، وكأنما المال صار ذلك الماء اللزج الموجود بين مفاصل الدولة، بدونه لا تتحرك أعصابها، لأن الأمر لم يعد متوقفا على “شراء مرتبة في قائمة انتخابية”، ولكن تعدى ذلك إلى تأثير المال على القرار السياسي، بداية من “تكفل رجل أعمال بمصاريف اجتماع حزب سياسي بفندق”، إلى “توظيف المال” لتنحية وزير أو مسؤول سام في الدولة أو مؤسسة اقتصادية مشبعة بالصفقات، أو مثلما سيق كلام عن رجل أعمال نافذ عزا إلى إقالة الرئيس المدير العام لسوناطراك، عبد الحميد زرڤين.لم يكن أصحاب المال، وخاصة هؤلاء الذين دنسوا المال بمنطق “الشكارة”، في تعاملات سياسية “لاشيكية”، يدركون العائدات السريعة من توريط أوراقهم النقدية، في رواق السياسة، من أجل الربح الاقتصادي، إلا لما وجدوا الطريق معبدا، في فضاءات شاغرة تنتظر من يملأها خارج منطق الكفاءة، فصاروا يتحكمون في جهاز صناعة القرار السياسي.ولم تنفع التنديدات الصاخبة لقيادات أحزاب لبست ثوب الضحية لممارسات “الشكارة”، ومنها من دعا إلى التحقيق في مصادر تمويل الحملات الانتخابية، وأخرى دعت إلى تجريم المال السياسي، خاصة بعد ثبوت تبلور تجمعات لرجال المال ضمن الأحزاب الجديدة، وخاصة تلك التي انشقت قياداتها عن أحزاب قائمة (معارضة)، فأعلن الفصيل المنشق ولاءه للسلطة، مستجمعا أكبر قدر من رجال المال لتوفير الدعم اللوجيستي.ومهما يكن، فإن سطوة المال تتغول أكثر في المواطن التي تكون فيها شرعية رجل السياسة مشوبة بالشكوك، وبالتالي فإن موقع الضعف الذي يكون عليه صاحب القرار السياسي، والاقتصادي، يجعل تدخل المال أمرا متاحا.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات