+ -

 التّشريعات في هذه العقيدة لحماية هذه الأسُس وصيانة العنصر الأخلاقي في الشّعور والسّلوك وفي أعماق الضّمير وفي واقع المجتمع، وفي العلاقات الفردية والجماعية والدولية على السّواء والرّسول الكريم صلوات اللّه وسلامه عليه يقول: “إنّما بُعِثْتُ لأتَمِّم مكارم الأخلاق”، فيُلخّص رسالته في هذا الهدف النّبيل.وتتوارد أحاديثه صلّى اللّه عليه وسلّم تترى في الحضّ على كلّ خُلق كريم، وتقوم سيرته الشّخصية مثالًا حيًّا وصفحة نقيّة، وصورة رفيعة تستحقّ من اللّه أن يقول عنها في كتابه الخالد: {وَإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، فيُمجِّد بهذا الثّناء نبيّه الكريم صلّى اللّه عليه وسلّم كما يمجّد به العنصر الأخلاقي في منهجه الّذي جاء به هذا النّبيّ العظيم، ويشدّ به الأرض إلى السّماء ويعلّق به قلوب الرّاغبين إليه سبحانه، وهو يدلّهم على ما يحبّ ويرضى من الخُلق الكريم.وهذا الاعتبار هو الاعتبار الفذّ في أخلاقية الإسلام. فهي أخلاقية لم تنبع من البيئة، ولا من اعتبارات أرضية إطلاقًا، وهي لا تستمد ولا تعتمد على اعتبار من اعتبارات العُرف أو المصلحة أو الارتباطات الّتي كانت قائمة في الجيل. إنّما تستمد من السّماء وتعتمد على السّماء. تستمد من هتاف السّماء للأرض لكي تتطلّع إلى الأفُق. وتستمد من صفات اللّه المطلقة ليُحقّقها البشر في حدود الطّاقة، كي يحقّقوا إنسانيتهم العليا، وكي يصبحوا أهلًا لتكريم اللّه لهم واستخلافهم في الأرض، وكي يتأهّلوا للحياة الرّفيعة الأخرى {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِر}. ومن ثمّ فهي غير مقيّدة ولا محدّدة بحدود من أي اعتبارات قائمة في الأرض، إنّما هي طليقة ترتفع إلى أقصى ما يطيقه البشر، لأنّها تتطلّع إلى تحقيق صفات اللّه الطّليقة من كلّ حد ومن كلّ قيد.ثمّ إنّها ليست فضائل مفردة: صدق وأمانة وعدل ورحمة وبرّ.. إنّما هي منهج متكامل، تتعاون فيه التّربية التّهذيبية مع الشّرائع التّنظيمية، وتقوم عليه فكرة الحياة كلّها واتّجاهاتها جميعًا، وتنتهي في خاتمة المَطاف إلى اللّه جلّ علاه لا إلى اعتبار آخر من اعتبارات هذه الحياة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات